المحلي بالاثار (صفحة 1526)

وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَا يَضُرُّ إسْنَادُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ أَنْ أَوْقَفَهُ مَعْمَرٌ، وَمَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَيُونُسُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، فَابْنُ جُرَيْجٍ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ، وَالزُّهْرِيُّ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، فَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمَرَّةً عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ، وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ، مَرَّةً رَوَاهُ مُسْنَدًا، وَمَرَّةً رَوَى أَنَّ حَفْصَةَ أَفْتَتْ بِهِ، وَمَرَّةً أَفْتَى هُوَ بِهِ، وَكُلُّ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِهِمْ: أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ، وَلَا تَبْدِيلُهُ، وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ، وَلَا النَّقْصُ مِنْهُ، إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ، كَمَا تَقُولُونَ: فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ.؟ قُلْنَا: لِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ وَلَسْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِمَّنْ يَضْرِبُ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهِ، وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهِ، وَلَا مِمَّنْ يُعَارِضُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَظَرِهِ الْفَاسِدِ؛ بَلْ نَأْخُذُ جَمِيعَ السُّنَنِ كَمَا وَرَدَتْ؛ وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِجَمِيعِهَا كَمَا أَتَتْ؟ وَالثَّانِي: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَمْ يُكَلِّفْنَا - عَزَّ وَجَلَّ - السَّهَرَ مُرَاعَاةً لِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ؛ ثُمَّ نَحْنُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَإِنْ نِمْنَا وَإِنْ غَفَلْنَا، مَا لَمْ نَتَعَمَّدْ إبْطَالَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ إحْدَاثَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؟ .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015