وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ يَحْتَجُّونَ بِدُونِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا نُورِدُهُ مُحْتَجِّينَ بِهِ، لَكِنْ تَذْكِيرًا لَهُمْ؟ وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الْأَحْمَسِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصَرَ نَاقَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ؛ فَقَالَ: فَنَعَمْ إذَنْ» .
وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْإِبِلُ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ، فَلِمَا أَمْكَنَ كُلُّ ذَلِكَ - وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ جَمَلٌ رَبَاعٍ أَصْلًا - لَمْ يَحِلَّ تَرْكَ الْيَقِينِ لِلظُّنُونِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ " الْإِيصَالِ "؛ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الْبَكْرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَقْضِيه مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَالصَّدَقَةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافَ، صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «الصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَسْلَفَهُ لِغَيْرِهِ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَصَارَ الَّذِي أَخَذَ الْبَكْرَ مِنْ الْغَارِمِينَ، لِأَنَّ السَّلَفَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ أَخَذَهُ، فَإِذْ هُوَ مِنْ الْغَارِمِينَ فَقَدْ صَارَ حَظُّهُ فِي الصَّدَقَةِ؛ فَقُضِيَ عَنْهُ مِنْهَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا نَشُكُّ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ الْبَكْرَ كَانَ مِنْ بَعْضِ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَقِّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَضْلًا عَلَى حَقِّهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا