هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ وَحَسْبُنَا أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ مَعَنَا فِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْعَبْدِ، لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا، لِخِلَافِهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْعَبْدُ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ. فَقُلْنَا: أَمَّا تَامُّ الْمِلْكِ فَكَلَامٌ لَا يُعْقَلُ. لَكِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ لَا رَابِعَ لَهَا -:
إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَإِذَا كَانَ لَهُ فَهُوَ مَالِكُهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَرْقَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، فَيُزَكِّيهِ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ؛ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُمَا مَعًا.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا لِلْعَبْدِ وَلَا لِلسَّيِّدِ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ. فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الْإِمَامُ، فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَضَعُ كُلَّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ. وَهَذَا لَا يَقُولُونَ بِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِي إبَاحَتِهِمْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَلَوْلَا أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ فَرْجٍ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا، وَلَكَانَ زَانِيًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَالِكًا مِلْكَ يَمِينِهِ لَكَانَ عَادِيًا إذَا تَسَرَّى.
وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ عَلَى: السَّفِيهِ، وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا؛ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَالِ الْعَبْدِ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. فَقُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ، وَمَا رُوِيَ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ إلَّا عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ بَيْنِ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَنَّ الْمُكَاتَبَ: عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.
وَصَحَّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ؛ فَالزَّكَاةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ.