فَقَالَ أَبُو حنيفَة يقوم الْمَالِك الشَّاة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ بتقويم الْوسط فيخرجه عَنْهَا فتحريه اعْتِمَادًا على مَا فهم من أَن الْمَقْصُود فِي الزَّكَاة سد الْخلَّة وَرفع الْحَاجة فَكل مَا أجزي فِيهَا جَازَ عَنْهَا
قَالَ عُلَمَاؤُنَا هَذَا بَاطِل من ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن أَبَا حنيفَة أجْرى الْقيَاس فِي هَذِه الْعِبَادَة ونطاق الْقيَاس فِي الْعِبَادَات ضيق وَإِنَّمَا ميدانه الْمُعَامَلَات والمناكحات وَسَائِر أَحْكَام الشرعيات والعبادات مَوْقُوفَة على النَّص
الثَّانِي أَن هَذَا التَّعْلِيل الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ يسْقط الأَصْل وَمَتى أسقط التَّعْلِيل أَصله الَّذِي ينشأ عَنهُ سقط فِي نَفسه وَهَذِه نُكْتَة يجب شدّ الْيَد عَلَيْهَا
الثَّالِث أَن هَذَا التَّعْلِيل الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ يُعَارضهُ تَعْلِيل آخر أولى مِنْهُ وَأقوى وَهُوَ أَنا وَإِن سلمنَا أَن الْغَرَض من الزَّكَاة سد الْخلَّة إِلَّا أَن مِنْهَا مَعَ سد الْخلَّة غَرضا آخر وَهُوَ مُشَاركَة الْغَنِيّ الْفَقِير فِيمَا بِهِ يكون غَنِيا حَتَّى يَسْتَوِي الْحَال وَيحصل فِي أَيدي الْأَغْنِيَاء من ذهب وَحب الْحَيَوَان وعَلى مَذْهَبهم يَقع الاستئثار بالأجناس كلهَا وَهَذَا بَين لمن انصف
قَالَ الله تَعَالَى (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ)