فإمَّا الْخَبَر فَمَا زَعَمُوا من قَول مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي التَّوْرَاة إِن هَذِه الشَّرِيعَة مُؤَبّدَة عَلَيْكُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأما النّظر فَلِأَن النّسخ فِيهِ بَدْء وَذَلِكَ لَا يجوز على الله عز وَجل لعلمه بالعواقب ولاستواء الْمُسْتَقْبل عِنْده والذاهب
فَأَما تعلقهم بقول مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ اختراعهم وأنى يتَحَقَّق مَا فِي التَّوْرَاة وَقد أحرقت مرَّتَيْنِ واجتمعوا على تلفيقها فَمَا تحصلت وَلَو ثَبت ذَلِك من قَوْله فَهُوَ عُمُوم وَهل كلامنا إِلَّا فِي نسخ الْعُمُوم إِمَّا لفظا وَإِمَّا وقتا
وَأما تعلقهم بِالنّظرِ فمسلكه لائح لنا وَلَا حجَّة لَهُم فِيمَا ذَكرُوهُ من البداء لِأَن النّسخ الله تَعَالَى لَيْسَ بِمَا بدا لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا علمه وأحكمه فاقتضت الْمصلحَة أَن يَقع التَّكْلِيف بِهِ فِي وَقت وَلَا يَقع فِي آخر فإلزامه الْمُكَلف ظَاهرا وَلم يطلع على مَا فِي الْبَاطِن ثمَّ اطلع فَعلم أَن الْحِكْمَة فِي إخفائه أَولا والمصلحة فِي تبديله آخرا وَلذَلِك رد الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَبَين جهلهم فَقَالَ (إِذا بدلنا ءاية مَكَان ءاية وَالله أعلم بِمَا ينزل قَالُوا إِنَّمَا أَنْت مفتر بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ ليثبت الَّذين ءامنوا وَهدى وبشرى للْمُسلمين)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي النَّاسِخ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
النَّاسِخ هُوَ الله تَعَالَى فِي الْحَقِيقَة وَكَلَامه مجَاز ثَان وَنبيه مجَاز ثَالِث تركب عَلَيْهِ وَلَكِن جَازَ إِطْلَاق النَّاسِخ على غير الله تَعَالَى مَعَ معرفَة حَقِيقَة النَّاسِخ قصد الْبَيَان وَإِرَادَة التَّقْرِيب