الوقف الأول: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}، ثم تبتدئ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
وهذا الوقف مبني على أنَّ المراد بالتأويل: ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره المغيَّبة، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يعلم متى وقوعها ولا كيفية وقوعها إلا هو سبحانه، ومن ادَّعى علمها فقد كذب على الله.
الوقف الثاني: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، ثم يجوز لك أن تصل أو تبتدئ بجملة {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
وهذا الوقف مبني على أن المراد بالتأويل: التفسير، والتفسير يعلمه الراسخون في العلم بخلاف ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره التي لا يعلمها إلا الله، فهم يشتركون في معرفة المعنى، حيث إنه ليس من العلم الذي يختصُّ بالله تعالى، لذا لا يجوز أن يقال: إن في القرآن آيات لا يُعرف معناها، بل جميع القرآن معلوم المعنى للعلماء، وهم يتفاوتون في معرفة تلك المعاني.
وهذان المعنيان متغايران، وليسا متضادين، وهما اللذان يصلح أن ينطبق عليهما وقف التعانق، بخلاف النوعين الأولين، فالتداخل في المعاني يجعلك تختار الأعم منها لدخول الآخر فيه، والتضاد يلزم منه الترجيح، فيسقط أحد المعنيين، وبهذا لا يكون الوقف متعانقاً.
تنبيه:
اعلم أن الوقوف لما كان مبناها الاجتهاد، فإن هذا يعني أنَّ ما وُضِع من وقوف في المصاحف إنما كان باجتهادٍ ـ يشكر أصحابه ـ يمكن أن يأتي من يخالفه، بشرط أن يكون الأمر بعلم، لا بذوق وتحكُّمٍ كما يقع عند بعض الناس، فتراه يقف وقوفات غريبة، ويبتدئ ابتداءً غريباً كذلك، وما دعاه إلى ذلك إلا تذوقٌ غير سليم، ومن أمثلة ذلك:
• قرأ بعضهم قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15]، ثم استأنف قائلاً: {الْمَجِيدُ} {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 15، 16].