إن هذا الإلزام أمر مهمٌّ للغاية، فهذا القرآن الذي قرأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكُتب في عهده، وكانت عليه العرضة الأخيرة، وجمعه أبو بكر رضي الله عنه في مصحف، ثمَّ نسخت منه اللجنة التي اختارها عثمان رضي الله عنه، وما عداه فهو مما تُرك في العرضة الأخيرة، ولم يُقرأ به، ومن ذلك عدد لا بأس به من الآيات التي حكى الصحابة أنها كانت مما يُقرأ في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وبقيت حتى الإلزام بهذا الجمع؛ لأنه ليس كل واحدٍ من الصحابة بلغه ما تُرك من النازل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا زال يحفظه ويقرأ به. لكن لما أجمع الصحابة على هذا المصحف، عُلِم أنه هو الذي ثبت في العرضة الأخيرة فحسب، وما عداه مما قد تنقله كتب الآثار يكون مما تُرك لا محالة، والله أعلم.

وهذا الإلزام سيكون حاسماً قاطعاً للخلاف؛ لاتفاق المصدر، فلو خرج شامي وعراقي مرة أخرى، وأثبت كل واحد منهما قراءته بما بعث به عثمان رضي الله عنه، فإن الحال هنا إلى أن الصادر عن المدينة مما اتفق عليه الصحابة أنه قرآن بهذا الاختلاف الثابت فيه. أما قبل ذلك فلم يكن لهم مرجع معين، فكلٌّ ينسب القراءة إلى من قرأ عليه من الصحابة، وهم يقرؤون بالثابت والمتروك لعدم علمهم بتركه.

وبهذا يتضِّح خلاف عمل عثمان عن عمل أبي بكر رضي الله عنهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015