وقد أخبر زيد ببعض وسائل الكتابة التي كانت في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ففي الحديث الذي ذكره البخاري (ت256هـ) وغيره في جمع أبي بكر رضي الله عنه إشارة إلى ذلك، فقال: «فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ والرِّقاع واللِّخَاف (?)» (?).
وهذا يدلُّ على أنَّ القرآن لم يكن مجموعاً في مصحفٍ واحدٍ في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل كان متفرقاً، في مثل هذه الأدوات التي ذكرها زيدٌ رضي الله عنه.
وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعتني بكتابة القرآن أيما عناية، وكان يطلب أحد كتبة الوحي إذا نزل عليه القرآن، وهذا مما دلَّت عليه الآثار، مثل ما رواه البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال: «لما نزلت: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيداً فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}» (?).
مسألة: لماذا لم يُكتب القرآن ـ في مصحف واحدٍ ـ كاملاً في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
لقد كان من قدر الله أن يتوفَّى نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وأن لا يجمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ، وهذا ما يشهد له الواقع التاريخي لكتابة القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والبحث عن العلل في ذلك ضرب من الاجتهاد الذي يحتمل الصواب والخطأ؛ لأن كل تعليل يمكن أن يُنتقَضَ، ومما ذُكر من الأسباب:
1 - أن الحاجة لم تدع إلى ذلك، ولم يقع ما يوجب العمل بهذا الضبط الكتابي المجموع للقرآن الكريم، بدلالة أنه لو كان مما تحتاج إليه