يتجاهلها، فإذا دَخَلتْ هذه الموضوعات في محل النقاش والجدل العلمي بان ما فيها من حاجة إلى تحرير وتنقيح.
وإن مما يحسن أن يُعنى به طالب علوم القرآن الانتباه للأمثلة، وتقييدها، ودراستها للخروج بصورة صحيحة عن الموضوع الذي سيدرسه، ومتى أخذ بعض الموضوعات غير المحرَّرة على سبيل القبول دون النظر في الأمثلة المتكاثرة التي تخالف ذلك التقرير لم يستطع الوصول إلى بعض الحقائق المهمة في الموضوع.
وقد يقول قائل: ألا يعني هذا أننا سنفتش مرة بعد مرة في كل موضوعات علوم القرآن، ولن يقنع الآخِرُ بما وصل إليه الأول؟
أقول: نعم، إن هذا الاستفسار صحيح، وهو في محلِّه، وليس هناك ما يمنع من النظر والتقليب مرة بعد مرة ما دام الأمر يعمد إلى قضايا يسوغ فيها النظر والاجتهاد، ولست أرى أنك ملزم بقول فلان أو علان ما دام ظهر لك الحق، وبان لك الخطأ في قوله، فالعالِم الحق لا يرضى لنفسه أن تتبعه وأن تعتقد أنك وصلت إلى الصواب، فكل يؤخذ من قوله ويرد سوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليس في ذلك أي غضاضة أو انتقاص ما دام سبيل الأدب والمحبة والترحُّم على أسلافنا هو السبيل الذي نسلكه. بل لن ترتقِي دراساتنا وعلومنا إذا لم نسلك هذا السبيل، وسنبقى في انحصار ذهني لا يمكننا الخروج منه لخوفنا من المخالفة العلمية.
وإن مما هو مشاهد وظاهر في العلوم أن الاختلاف لا يمكن أن ينقطع، بل هو سنة كامنة فيه لا تنفك عنه، وإنك قد تعجب في بعض الأحيان من وضوح حجتك التي تحتج بها ويخالفك فيها مخالف، وتستغرب كيف يغفل عن الصواب؟
لكنك لو تأملت الأمر قليلاً لظهر لك أن ذلك سنة الله في خلقه، فلست تملك إدخال الصواب في قلوبهم، وإن كان من حقك أن تقول ما تراه صواباً وتدافع عنه.