ولا أربع مئات إلا مستكرهًا وشاذًّا، فكما ساغ هذا وغيره في أسماء العدد قالوا أيضًا: "اثنتا عَشَرَة" في قراءة الأعمش هذه، وينبغي أن يكون قد روى ذلك رواية، ولم يره رأيًا لنفسه.

وعلى ذلك ما يُروى: من أن أبا عمرو حضر عند الأعمش فروى الأعمش: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة1، فقال أبو عمرو: إنما هو يتخوننا بالنون، فأقام الأعمش على اللام، فقال له أبو عمرو: إن شئت أعلمتك أن الله لم يعلمك من هذا الشأن حرفًا فعلت، فسأل عنه الأعمش، فلما عرف أبا عمرو وكبر عنده وأصغى إليه، وعلى أن هذا الذي أنكره أبو عمرو صحيح عندنا؛ وذلك أن معنى يتخولنا: يتعهدنا، فهو من قوله:

يساقِطُ عنه ورقُه ضارياتِها ... سِقاط حديد القَين أَخول أَخولا2

أي: شيئًا بعد شيء، ومنه قولهم: فلان يَخُولُ على أهله: أي يتفقدهم، ويتعهد أحوالهم، ومنه قولهم: خالُ مالٍ، وخائل مال: إذا كان حسن الرِّعْيَة والتفقد للمال3. والتركيب مما تُغير فيه أوضاع الكلم عن حالها في موضع الإفراد؛ من ذلك حكاية أبي عمرو الشيباني من قول بعضهم في حضَرَمَوْت: حضْرَمُوت "17و" بضم الميم؛ ليصير على وزن المفردات نحو عَضْر فُوط4 ويَسْتَعُور5.

ومن تحريف ألفاظ العدد ما أنشده أبو زيد في نوادره:

علام قتل مسلم تعمُّدا ... مذ سنة وخَمِسُون عددا6

بكسر الميم من خمسون، وعذره وعلته عندي أنه احتاج إلى حركة الميم لإقامة الوزن، فلم ير أن يفتحها فيقول: خَمَسون؛ لأنه كان يكون بين أمرين: إما أن يُظن أنه كان الأصل فتحها ثم أُسكنت، وهذا غير مألوف؛ لأن المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة، وإما أن يقال: إن الأصل السكون فاضظر ففتحها، وهذا ضرورة إنما جاء في الشعر، نحو قوله:

مُشْتَبِهِ الأَعلَامِ لَمَّاعِ الْخَفَق7

طور بواسطة نورين ميديا © 2015