قال أبو الفتح إذا أنزل منها فقد أنزل بها، كقولهم: أعطيته من يدى درهما، وبيدي درهما. المعنى واحد، وليست "من" ههنا مثلهم في قولهم: أعطيته [164و] من الدراهم، لأن هذا معناه بعضها، وليس يريد أن الدرهم بعض اليد، لكن معنى "من" هنا ابتداء الغاية، أي كان ابتداء العطية من يده وليس معناه: أعطاه بعض يده.

ومن ذلك قراءة علي: "وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا1".

قال أبو الفتح: يقال: كذب يكذب كذبا وكذابا، وكذب كذابا، بتثقيل الذال فيهما جميعا. وقالوا أيضا: كذابا، خفيفة. وقال قطرب: قالوا: رجل كذاب: صاحب كذب.

وحكى أبو حاتم عن عبد الله بن عمر: "وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا"، بضم الكاف، وتشديد الذال، وقال: لا وجه له، إلا أن يكون "كذاب" جمع كاذب، فتنصبه على الحال: وكذبوا بآياتنا في حال كذبهم. وقال طرفة:

إذا جاء ما لا بد منه فمرحبا ... به حين يأتي لا كذاب ولا علل2

وقال: رجل كيذبان، وكيذبان، وكاذب، وكذوب، وكذب، وكذاب، وكذبذب -بتشديد الذال - وكذبذب، بتخفيفها.

قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد، ورويناه عن قطرب وغيره من أصحابنا:

وإذا أتاك بأنني قد بعثها ... بوصال غائبة فقل: كذبذب3

وهو أحد الأمثلة الفائتة لكتاب سيبويه. وقد يجوز أن يكون قوله: "كِذَّابًا" - بالضم، وتشديد الذال - وصفا لمصدر محذوف، أي: كذبوا بآياتنا كذابا كذابا، أي: كذابا متناهيا في معناه، فيكون الكذاب ههنا واحدا لا جمعا، كرجل حسان، ووجه وضاء، ونحو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015