قال أبو الفتح: علة جواز ذلك أن الغرض في هذه الحركة إنما التبلغ به هربا من اجتماع الساكنين، فبأي الحركات حركت أحدهما فقد وقع الغرض، ولعمري إن الكسر أكثر، فأما ألا يجوز غيره فلا. حكى قطرب عنهم: "قُمِ اللَّيْل"، وَقُلِ الْحَق1" وبع الثوب فمن كسره فعلى أصل الباب، ومن ضم، أو كسر أيضا أتبع2، ومن فتح فجنوحا إلى خفة الفتح.

ومن ذلك حدثنا عباس الدوري [161ظ] عن أبي يحيى الحماني3 عن الأعمش عن أنس أنه قرأ: "وَأَقْوَمُ قِيلًا"، و"وأَصْوَبُ4". فقيل له: يا أبا حمزة، إنما هي: "وَأَقْوَمُ قِيلًا"، فقال أنس: إن أقوم أصوب وأهيأ واحد.

قال أبو الفتح: هذا يؤنس بأن القوم كانوا يعتبرون المعاني، ويخلدون إليها، فإذا حصلوها وحصنوها سامحوا أنفسهم في العبارات عنها5.

ومن ذلك ما رؤينا عن أبي زيد أن أبا سرار الغنوي كان يقرأ: "فَحاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ6"، والحاء غير معجمة. فقيل له: إنما هو "جاسوا"، فقال: حاسوا، وجاسوا واحد7.

ومن ذلك حكاية ذي الرمة في قوله:

وظاهر لها من يابس الشخت8

فقيل له" أنشدتنا بائس السخت فقال: بائس، ويابس واحد.

وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: قال بعض أصحاب ابن الأعرابي له في قوة الشاعر:

وموضع زبن لا أريد مبيته ... كأني به من شدة الروع آنس9

أنشدتناه وموضع ضيق، فقال له أبن الأعرابي: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تدري أن "زبن" و"ضيق" واحد؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015