قال:
نَضَوْنَ عَنِّي شِرَّةً وَأَدَّا ... مِنْ بَعْدِ مَا كُنْتُ صَمُلًّا نَهْدَا1
فهو إذًا حذف المضاف، فكأنه قال: لقد جِئْتُم شيئا ذا أدٍّ، أي: ذا قوة. فهو كقولهم رجل زَوْر2 وعَدْل وضَيْف، تصفه بالمصدر إن شئت على حذف المضاف، وإن شئت على وجه آخر أصنع من هذا وألطف، وذلك أن تجعله نفسه هو المصدر للمبالغة، كقول الخنساء:
تَرْتَعُ مَا غَفَلَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ ... فإنما هِيَ إقبالُ وإدبارٌ3
إن شئت على ذات إقبال وإدبار، وإن شئت جعلتها نفسها هي الإقبال والإدبار، أي: مخلوقة منهما: ويدلك على أن هذا معنى عندهم لا على حذف المضاف، بل لأنهم جعلوه الحدث نفسه قولهم، أنشدناه أبو علي:
ألّا أصبحَتْ أسماءُ جَاذِمَةَ الْحَبْلِ ... وَضَنَّتْ عَلَيْنَا وَالضَّنِينُ مِنَ الْبُخْلِ4
أي: هو مخلوق من البخل، ولا تحمله على القلب، أي: والبخل من الضنين؛ لصغر معناه إلى المعنى الآخر، ولأنه مع ذلك أيضا نزول عن الظاهر وأنشدنا أيضا.
وَهُنَّ مِنَ الإخْلافِ قَبْلَكَ وَالْمُطْلِ5
وأنشدنا أيضا:
وَهُنَّ مِنَ الإخْلافِ وَالْوَلَعانِ6
ويكفي من هذا كله قول الله "سبحانه": {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 7، أي من العَجَلَة، لا من الطين كما يقول قومٌ؛ لقوله: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} 8.