قال أبو الفتح: هذه "إِنْ" مخففة من الثقيلة، واللام في قوله: "لَتَزُول" هي التي تدخل بعد "إنْ" هذه المخففة من الثقيلة؛ فصلًا بينها وبين "إنْ" التي للنفي في قوله تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} 1 أي: ما الكافرون إلا في غرور، فكأنه قال: وإنه كاد مكرهم "88ظ" تزول منه الجبال.
ودخلت يومًا على أبي علي بُعيد عوده من شيراز سنة تسع وستين، فقال لي: ألا أحدثك؟ قلت له: قل! قال: دخل إليَّ هذ الأندلسي فظننته قد تعلم، فإذا هو يظن أن اللام التي تصحب إنْ المخففة من الثقيلة هي لام الابتداء، قلت: لا تعجب، فأكثر مَن ترى هكذا.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي هريرة وعلقمة2 وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن وسنان3 بن سلمة بن المحبق وعمرو بن عبيد والكلبي وأبي صالح وعيسى4 الهمداني وقتادة والربيع بن أنس وعمرو بن فائد: "مِنْ قِطْرٍ آنٍ"5.
قال أبو الفتح: القِطْر: الصُّفْر والنحاس، هو أيضًا الفِلزُّ، رويناه عن قطرب، وهو أيضًا الصاد، ومنه قدور الصاد؛ أي: قدور الصُّفْر. والآني: الذي قد أنى وأدرك. أَنَى الشيء يأنِي أُنِيًّا وإِنًى مقصور، ومنه قول الله سبحانه: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} 6 أي: بلوغه وإدراكه. قال أبو علي: ومنه الإناء؛ لأنه الظرف الذي قد بلغ غايته المرادة فيه من خَرز أو صياغة أو نحو ذلك. قال أمية:
وسليمانُ إذ يَسيل له القِطر ... على ملكه ثلاث ليالِ