ومن ذلك قراءة أبي الطفيل1 والجحدري وابن أبي إسحاق ورُويت عن الحسن: "يَا بُشْرَيَّ"2.
قال أبو الفتح: هذه لغة فاشية فيهم، ما3 رويناه عن قطرب من قول الشاعر:
يُطَوِّفُ بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ ... ويَطْعَنُ بالصُّمُلَّةِ في قَفَيَّا
فإن لم تَثْأَرَا لي من عِكَبٍّ ... فلا أَرْوَيْتُمَا أبدا صَدَيَّا4
ونظائره كثيرة جدًّا.
وقال لي علي: إن قلب هذه الألف لوقوع الياء بعدها ياء؛ كأنه عوض مما كان يجب فيها من كسرها لياء الإضافة بعدها؛ ككسرة ميم غُلَامِي وياء صاحبي ونحو ذلك، ومَن قلب هذه الألف لوقوع هذه الياء بعدها ياء لم يفعل ذلك في ألف التثنية، نحو: غلاماي وصاحباي؛ كراهة التباس5 المرفوع بالمنصوب والمجرور.
فإن قيل بعد: وهلا قلبوها وإن صار لفظ ما هي فيه إلى لفظ المجرور كما صار لفظ المرفوع والمنصوب جميعًا إلى لفظ المجرور في نحو: هذا غلامي؛ ورأيت غلامي، قيل: قَلْبُ الألف لوقوع الياء بعدها ياء أغلظ من قلب الضمة والفتحة حيث ذَكرْت كسرة؛ وذلك أن الجناية على الحرف أغلظ من الجناية على الحركة، فاحتُمل ذلك في: هذا غلامي ورأيت غلامي، ولم يُحتمل نحو: هذان غلامَيّ وما جرى مجراه.
فإن قيل: فالذي قال: "يا بُشْرَيَّ" قد جنى على الألف بقلبها ياء، قيل: هذه الألف يمكن أن تقدَّر الكسرة فيها، وحرف التثنية لا تقدير حركة فيه أصلًا عندنا، فجائز أن تقول: "بُشْرَيَّ"، ولم يُقَل: قام غلامَيّ. فأما الحركة في ياء {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 6 فلالتقاء الساكنين، وهي غير