ولهذا قالوا: حبذا زيد، ولم يقولوا: حبذاك؛ لأنه موضع بِشَارَة وتَحَفٍّ به، فالقرب أولى به من البعد؛ ولهذ قالوا فيمن يُصطفى: قد أدناه منه، وقد قرُب من قلبه، وعليه قال:
ودارٌ أنت ساكنها حبيب ... تَوَددُهَا إلى قلبي قريب "79و"
فهذا طريق قراءة الجماعة: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} ، وإن شئت كان من هذا الطَّرْز1، وإن شئت كان من معنى اللعنة.
ومن ذلك قراءة الزهري وسليمان2 بين أرقم: "لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ"3 بالتنوين. ابن مسعود والأعمش: "إِنْ كُلٌّ إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ".
قال أبو الفتح: أما "لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ" بالتنوين، فإنه مصدر كالذي في قوله سبحانه: {وَيأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} 4 أي: أكلًا جامعًا لأجزاء المأكول، فكذلك تقدير هذا: وإنَّ كلا ليوفينهم ربك أعمالهم لَمًّا؛ أي: توفية جامعة لأعمالهم جميعًا، ومحصلة5 لأعمالهم تحصيلًا، فهو كقولك: قيامًا لأقومن، وقعودًا لأقعدن.
وأما "إِنْ كُلٌّ إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ" فمعناه: ما كُلٌّ إلا والله ليوفينهم، كقولك: ما زيد إلا لأضربنه؛ أي: ما زيد إلا مستحق لأن يقال فيه هذا، ويجوز فيه وجه ثانٍ؛ وهو أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة، وتجعل "إلا" زائدة، وقد جاء عنهم ذلك، قال:
أرى الدهر إلا منجنونا بأهله ... وما طلب الحاجات إلا مُعَلَّلا6