قال أبو الفتح: هذه نُفَعِّلك من الناحية؛ أي: نجعلك في ناحية من كذا، يقال: نَحوْتُ الشيء أنحوه: إذا قصدته، ونَحَّيت الشيء فتنحى: أي باعدته فتباعد فصار في ناحية.
قال رؤبة وهو في جماعة من أصحابه ممن يأخذ عنه، وقد أقبلت عجوز منصرفة عن السوق، وقد ضاق الطريق بها عليهم:
تَنَحَّ للعجوز عن طريقها ... إذ أقبلت رائحةً من سوقها
دعها فما النحويّ من صديقها1
وقال الحطيئة لأمه:
تَنَحَّيْ فاقعدي مِنِّي بعيدا ... أراح الله منك العالمينا2
وقد استَعملت العرب مصدر نحوت الشيء نحوًا ظرفًا؛ كقولك: زيد نحوك: أي في شِقِّك وناحيتك. وعليه ما أنشده أبو الحسن:
تَرمِي الأماعيز بِمُجْمَرَات ... بأَرجل رُوحٍ مُحَنِّبَات
يحدو بها كلُّ فتى هيَّات ... وهن نحو البيت عامدات3
فنصب عامدات على الحال لتمام الكلام من قبلها. وقد جمعوا نحوًا على نُحُوّ، فأخرجوه على أصله.
ومنه حكاية الكتاب: إنكم لتنظرون في نُحُوّ كثيرة، ومثله من الشاذ بَهو وبُهُو للصدر، وأَب وأُبُوّ، وابن وبُنُوّ. قال القناني يمدح الكسائي "76ظ":
أَبى الذمَّ أخلاق الكسائي وانتمى ... به المجدَ أخلاقُ الأُبُوّ السوابق4