قال أبو الفتح: أما رفع {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} فعلى "73ظ" قطع واستئناف؛ أي: هم التائبون العابدون. وأما "التائبين العابدين" فيحتمل أن يكون جرًّا وأن يكون نصبًا: أما الجر فعلى أن يكون وصفًا للمؤمنين في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} 1 "التائبين العابدين"، وأما النصب فعلى إضمار فعل لمعنى المدح؛ كأنه قال: أعني أو أمدح "التائبين العابدين"، كما أنك مع الرفع أضمرت الرافع لمعنى المدح.

ومن ذلك قراءة طلحة: "وما يَسْتَغْفِرُ إبراهيمُ لأَبيه"2، ورويت عنه أيضًا: "وما استَغفر إبراهيمُ لأَبيه".

قال أبو الفتح: أما "يَسْتَغْفِر" فعلى حكاية الحال، كقولك: كان زيد سيقوم، وإن كان متوقعًا منه القيام، وحكاية الحال فاشية في اللغة؛ منها قول الله عز وجل: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} 3، ولم يقل: أحدهما من شيعته، والآخر من عدوه؛ وذلك أنه تعالى لما حكى الحال الماضية صار النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن يَسمع من بعد كالحاضرين للحال، فقال: هذا، وهذا. وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 4 وهذه اللام إنمتا تدخل على فعل الحال الحاضرة، فحَكى الحال المستأنفة كما حكى السالفة.

ومن ذلك قراءة الناس: {الَّذِينَ خُلِّفُوا} 5، وقرأ: "خَلَفُوا" -بفتح الخاء واللام خفيفة- عكرمة وزر بن حُبيش6 وعمرو بن عبيد، ورُويت عن أبي عمرو، قرأ: "خالَفُوا"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015