فقال له الشيخ: ليس هكذا أنشدتنا يا أبا عبيد الله، فقال: كيف أنشدتك؟ فقال له: وموضع ضيق، فقال: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تعلم أن الزبْن والضيق شيء واحد؟ فهذا لعمري شائع؛ لأنه شعر وتحريفه جائز؛ لأنه ليس دِينًا ولا عملًا مسنونًا.
ومن ذلك ما حكاه ابن أبي عبيدة بن معاوية بن قُرْمُل1 عن أبيه عن جده -وكانت له صحبة- أنه قرأ: "لَوالَوْا إليه"2 بالألف وفتحة اللام الثانية.
قال أبو الفتح: هذا مما اعتقب عليه فَاعَل وفَعَّل؛ أعني: وَالَوا ووَلَّوا، ومثله ضعَّفت وضاعفت الشيء، ووصَّلت الحديث وواصلته، وسوَّفت الرجل وساوفته، ومن أبيات الكتاب:
لو ساوَفَتْنا بِسُوف من تحيتها ... سوْفَ العيوف لراح الركب قد قنِعوا3
سوف العيوف: مصدر محذوف الزيادة؛ أي: مساوفة العيوف.
ومن ذلك ما رُوي عن مجاهد: "إِنْ تُعْفَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ" بالتاء المضمومة "تُعَذَّبْ طَائِفَة"4.
قال أبو الفتح: الوجه "يُعْفَ" بالياء لتذكير الظروف، كقولك: سِيرَت الدابة وسِير بالدابة5، وقُصدت هند وقُصد إلى هند؛ لكنه حمله على المعنى فأنث "تُعْفَ"، حتى كأنه قال: إن تُسامَح طائفة أو إن تُرحم طائفة. وزاد في الأُنس بذلك مجيء التأنيث يليه، وهو قوله: "تُعَذِّبْ طَائِفَةَ"، والحمل على المعنى أوسع وأفشى، منه ما مضى، ومنه ما سترى.
ومن ذلك ما يُروى عن مالك بن دينار6: "فاقعُدوا مع الخَلِفين"7 بغير ألف.