ومن ذلك قراءة الزهري: "يُخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا" من أَخْصَفْت، و"يَخِصفان" الحسن بخلاف، وقرأ "يُخَصِّفَان"1 ابن بريدة والحسن والزهري والأعرج، واختلف عنهم كلهم.

قال أبو الفتح: مألوف اللغة ومستعملها خَصَفت الورق ونحوه، وما أخصفت فكأنها منقولة من خصفت؛ كأنه -والله أعلم- يُخْصِفان أنفسهما وأجسامهما من ورق الجنة، ثم حذف المفعول على عادة حذفه في كثير من المواضع، أنشد أبو علي للحطيئة:

منعَّمةٌ تصون إليك منها ... كصونك من رداءٍ شرْعبيِّ2

أي: تصون الحديث ونخزنه.

وأما قراءة الحسن: "يَخِصِّفَان"، فإنه أراد بها يختصفان يفتعلان من خصفت، كقولهم: قرأت الكتاب واقترأته، وسمعت الحديث واسمتعته؛ فآثر إدغام التاء في الصاد فأسكنها، والخاء قبلها ساكنة، فكسرها لالتقاء الساكنين؛ فصارت "يَخِصِّفان".

وأما من قرأها "يَخَصِّفان"3، فإنه أراد أيضًا إدغام التاء في الصاد فأسكنها على العبرة في ذلك، ثم نقل الفتحة إلى الخاء؛ فصار "يَخَصِّفان".

ويجوز "يِخِصِّفَّانِ" بكسر الياء فيمن كسر الخاء إتباعًا، كما قال أبو النجم:

تَدافُعَ الشِّيبِ ولم تِقِتِّل4

أراد: تَقْتَتِل على ما ذكرت لك. ونحو من ذلك القراءة: يَهَدِّي ويَهِدِّي ويِهِدِّي5، وأصله كله يَهتدي "59و" على ما مضى.

وأما من قرأ: "يُخَصِّفَان" وهو ابن بريدة والحسن أيضًا والأعرج، واختلف عنهم كلهم فهو يُفَعِّلان، كيُقَطِّعان ويكسران، وهذا واضح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015