ومن ذلك قراءة إبراهيم: "وَلِيَلْبَسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ"1 بفتح الباء.
قال أبو الفتح: المشهور في هذا لَبِست الثوب أَلْبَسه، ولَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه.
فأما أن تكون هذه لغة لم تتأد إلينا: لبِست عليهم الأمر ألبَسه، في معنى لبَسته ألبِسه.
وإما أن تكون غير هذا؛ وهو أن يراد به شدة المخالطة لهم في دينهم، فالاعتراض فيه بينه وبينهم ليشكُّوا فيه ولا يتمكنوا من التفرد به، كما أن لابس الثوب شديد المماسة له والالتباس به، فيقول على هذا: لبِست إليك طاعتَك، واشتملْتُ الثقة بك؛ أي: خالطت هذه الأشياء وماسستها؛ تحققًا بها وملابسة لها، وعليه قول القُلاخ السعدي:
نكسوهُم مخشونَةً لِبَاسًا
يعني: السيوف. وقد مر به لفظًا ألبتة شاعرنا فقال:
وإنا إذا ما الموت صرَّح في الوغى ... لَبِسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا2
فإما أن يكون هذا الشاعر نظر إلى هذه القراءة، وإما أن يكون أراد المراد بها فسلك سنة قارئها، فاعرف ذلك ولا تقل ما يقوله من ضعفت نحيزته3، ورَكَّت طريقته: هذا شاعر مُحْدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب الله جل وعز؟ فإن المعاني لا يرفعها تقدُّم، ولا يُزري بها تأخر. فأما الألفاظ فلعمري إن هذا الموضع معتبرٌ فيها، وأما المعاني ففائتة بأَنفسها إلى مغرسها، وإذا جاز لأبي العباس أن يحتج بأبي تمام في اللغة كان الاحتجاج في المعاني بالمولَّد الآخر أشبه.
ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار: "حَرْثٌ حِرْج"4، وقراءة الناس: {حِجْرٌ} .
قال أبو الفتح: قد قدمنا في كتابنا الخصائص5 صدرًا صالحًا من تقلب الأصل الواحد والمادة الواحدة إلى صور مختلفة يَخْطِمها6 كلها معنى واحد، ووسمناه بباب الاشتقاق الأكبر،