جيء في هذا الموضع بلفظ جمع الكثرة لا يتدارك معنى الجنسية، فلهوا عنه، وأقاموا على لفظ الواحد تارة ولفظ الجمع المقارِب للواحد تارة أخرى؛ إراحة لأنفسهم من طلب ما لا يُدرك، ويأسًا منه، وتوقفًا دونه. فيكون هذا كقوله:

رَأى الأَمرَ يُفضي الي آخِرٍ ... فَصيَّر آخِرَهُ أوَّلا1

ومثل الجمع بالواو والنون والألف والتاء مجيئهم في هذا الموضع بتكسير القلة، كقوله تعالى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} 2.

وقول حسان: "43و"

وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجدَةٍ دَما3

ولم يقل: عيونُهم ولا سيوفُنا. وقد ذكرنا هذا ونحوه في كتابنا الخصائص.

ومن ذلك قراءة يزيد بن القعقاع: "بما حَفِظَ اللهَ" بالنصب4 في اسم الله تعالى.

قال أبو الفتح: هو على حذف المضاف؛ أي: بما حفظ دين الله وشريعة الله وعهود الله، ومثله: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} 5 أي: دين الله وعهود الله وأولياء الله، وحَذْفُ المضاف في القرآن والشعر وفصيح الكلام في عدد الرمل سعة، وأستغفر الله. وربما حَذفت العرب المضاف بعد المضاف مكررًا؛ أُنسًا بالحال ودلالة على موضوع الكلام، كقوله عز وجل: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} 6 أي: من أثر حافر فرس الرسول. وقد ذكرنا في كتابنا ذلك هذا وغيره من كتبنا وكلامنا.

ومن ذلك قراءة الأعمش: "لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكْرَى"7 مضمومة السين، ساكنة الكاف من غير ألف.

وقراءة إبراهيم: "وَأَنْتُمْ سَكْرَى".

وفي قراءته أيضًا: "تُرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى"8.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015