قبله، وبعد فقد حكى أبو زيد في السِّكِّينة: السَّكِّينة، بفتح السين وتشديد الكاف. فهذا فَعِّيلة وإن لم يكن لها نظير، وإفعيل أخو فِعِّيل، وأحسبني سمعت في بِرْطيل بَرْطيل، فهذا فَعليل بفتح الفاء، وأَفعيل وفَعليل وفَعِّيل يكاد يكون مثالًا واحدًا.
ومن ذلك قراءة أبي واقد الجراح: "رَبَّنَا لا تَزِغْ قُلُوبُنا"1.
قال أبو الفتح: هذا في المعنى عائد إلى قراءة الجماعة: "لا تُزغْ قلوبَنا"؛ وذلك أنه في الظاهر طلب من القلوب ورغبة إليها، فهو كقول الراجز فيما أنشده ابن الأعرابي:
يا رب لا يرجع إلينا طِفْيلا2
وفسره طفلًا، فظاهره الطلب والرغبة إلى ذلك الإنسان المدعو إليه؛ وإنما المسئول الله سبحانه، حتى كأنه قال: اللهم لا ترجعه إلينا، ويؤكد في ذلك النداء في قوله تعالى: "ربنا"، ويزيد في شرحه لك أنك تقول للأمير: لا ترهقني؛ لأنه يملك التنفيس عنك، ولا تقول له: أيها الأمير، أدخلني الجنة؛ لأن ذلك ليس له ولا إليه؛ فقد علمت إذن أن معنى "لا تَزِغْ قلوبُنا" هو معنى "لا تُزغ قلوبَنا"؛ ألا ترى أن القلوب لا تملك شيئًا فيطلب منها؟ فالمسئول إذن واحد وهو الله سبحانه.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وطلحة: "يُرَوْنَهم مِثلَيهم"3 بياء مضمومة4.
قال أبو الفتح: هذه قراءة حسنة المعنى؛ وذلك أن رَأيتُ وأرى أقوى في اليقين5 من أُريتُ وأُرَى، تقول: أرى أن سيكون كذا؛ أي: هذا غالب ظني، وأرى أن سيكون كذا؛ أي: أعلمه وأتحققه؛ وسبب ذلك أن الإنسان قد يُريه غيره الشيء فلا يصح له، فمعناه إذن أن غيره يشرع في أن يراه ولا أنه هو لا يراه، وأما أرى فإخبار بيقين منه، فكذلك هذه الآية: "يُرَوْنَهم مِثلَيهم" أي: يُصوَّر لهم ذلك وإن لم يكن حقًّا؛ لأن الشيء الواحد لا يكون اثنين