صالح، فبكى بكاء شديدا، وجعل يقول: ابن عمّي في غمرات الموت، وأنا آكل وأشرب وأتمتع، ثم دعا بماء حار/ فشربه وتقيأ ما أكل وشرب، وبكّر لحضور الجنازة، فلما دخل إلى منزل إبراهيم، وأفضى إلى مجلسه، وجده مفروشا، فأمر بالنمارق فرفعت، وقعد على البساط بغير وطاء ولا تكاء، وهو أول من فعل ذلك، فأتاه ابن بهلة، فلما مثل بين يديه قال: الله الله يا أمير المؤمنين، أن تطلق نسائي وتعتق عليّ رقيقي، وتبوء باثمي، إنّ ابن عمّك والله حيّ، لو شئت أن يكلمك لكلمك، فقام الرشيد معه، فاستدعى ابن بهلة مسلّة، فأتى بها فوضعها بين ظفره ولحمه، وغمزها غمزا شديدا، فثنى إبراهيم يده، فقال للرشيد: أعلمت أنه حي؟ قال: نعم، قال: فمر بنزع الأكفان عنه، وأن تعاد عليه ثيابه، حتى يفتح عينيه ويكلمك، فانه إن رأى نفسه في هذه الصورة، مات جزعا، ففعل ذلك، ثم دعا بمنفخة وكندس [1] ، فنفخ في أنفه، فعطس، ثم فتح عينيه، فبصر بالرشيد، فأخذ بيده فقبلها، فسأله عن حاله، فقال: لقد نمت نومة، ما نمت أطيب منها، إلا أنّ شيئا عض إصبعي فآلمني، ثم برأ من علّته، وعاش زمانا طويلا، وتزوج العباسة [2] بنت المهدي [3] ، وقلده/ الرشيد مصر، فأقام بها سنتين، ثم مات بها، فكان الناس يقولون: رجل مات ببغداد، ودفن بمصر، فمن عرف خبره قال: إبراهيم بن صالح، ومن لم يعرف خبره أنكر ذلك، وعجب منه.

منصور بن علي بن حبيش المقرىء، كان من الصالحين، حكى ابنه أبو القاسم، قال:

كان يقترض طول الأسبوع، فيحصل عليه المائة والأكثر، فأطالبه فيحلف بالله أنه يوم السبت يقضيني، ففعل ذلك مرات، فسألته: من أين لك، فبكى، وقال: يا بني، أجمع ختماتي، وأختمها ليلة الجمعة، وأجعل ثوابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: يا رسول الله، ديني، فيجيئني من حيث لا أحتسب يوم السبت ما أقضي به ديني.

قال أبو بكر الجوهري: مفتاح الشرع بيد العلماء يديرونه على ما تقتضيه مصلحة الدين، ولحومهم مسمومة، والواجب الأخذ بقولهم، وترك التعرض لعتبهم، فهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015