وبارزت أيامي ببطش وإنها ... تشير إليّ الآن أين المبارز

وجدّت بي الآمال حتي كأنّها ... ركاب وحرصي تحتهنّ مفاوز

وما ذاك من جهل ولا من سفاهة ... ولكنه حكم على الشيب جائز

تفرقت الآراء والحرص واحد ... وكلّ امريء عن باحة السر عاجز [1]

وما العيش إلا بالحظوظ فكادح ... شقيّ وراض بالزهادة فائز

وعزّ جهول كالبهيمة هامل ... وخير خبير للفضائل حائز

وفي الشهب آيات فجار إلى مدى ... وللبعض منها في البروج مراكز

فقالت: نظمك صحيح، ولسان بيانك فصيح [2] ، ولكن تملقك بالمقال قبيح، أما علمت أن الشّيب والشبان، والكهول والصبيان، ما منهم إلا من ورد ماء مدين [3] محبتي، وقرت عمرة عمره من ميقات محجتي، وهجر أسرته بالمسارعة إلى هجرتي، ولو كشفت التراب عمن درج من الأتراب، لأخبرك لسان حالهم بما يغنيك عن سؤالهم، إن الجميع غدوا إلى جنابي، وراحوا ونصبوا حبائل نصبهم طلبا لمواصلتي وما استراحوا، وأعلنوا بسرّ هواي حين لاح لهم علم زخارفي وباحوا، وقضوا نحبهم، وأعينهم تفيض من الدمع حسرة عليّ، وتلهفا على ما خلفوه لديّ، ولكن الأجل محتوم، والرزق مقسوم، الطفل يتلطف في بكائه على فطام لبانه، واليافع يتأسف على مفارقة معاشريه وأقرانه، والكهل يتلهف على ما خلف لبنيه وعشيرته، والشيخ يندب زمان صبوته وشبيبته، والكل منهم كالنائم وإن كان يقظان، أو كالواقف في الماء وهو عطشان، ومثلي مضروب في القرآن، متلو في كل وقت وأوان: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ

[4] ،/وتمام الآية معناه: قد اشتهر، والآن فقد حذرتك سطوتي، وخوفتك في غيرك ببطشي، فاجعل نصب عينك وصيتي، وكن من مصائد مصايبي على حذر، وفرّ إلى الله ما أمكن المفرّ، وإذا وردت موارد اللذات، ومناهل الشهوات، فاحسب المصدر، والأمل يطول، والزمان عثور عجول، وعثار الليالي والأيام تدرّ بحليب التبعات، والأنام على التمادي والدوام، والسعيد من الأنام من عوّد نفسه الزهد في هذا الحطام، ولجمها بلجام الصمت والصيام والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015