ومن غريب الاتفاق مع ذلك أن كنت في تلك المدة، قبل هذا الكتاب أو بعده بقريب حدثني بعض الإخوان أنه رأى فيما يرى النائم جماعة من الصالحين والكاتب معهم، وفيهم الشيخ محمد بن مبارك التستاوي وغيره من أمثاله فتكلم بعضهم وأظنه قال: ابن المبارك المذكور إلى أن قال: إن كان الحسن البصري في زمانه فهذا الحسن البصري في زمان يشير إلى الكاتب، وإنما ذكرت هذا رجاء وطماعية في اللحاق بالصالحين أو بمحبيهم أو بمحبي محبيهم وتبركاً بذكرهم، وإلاّ فليس بعشك فادرجي:
لما انتسبت إلى علاك تشرفت ... ذاتي فصرت أنا وإلاّ من أنا
وكتب إلي العلامة أبو عبد الله محمد بن سعيد السوسي بأبيات يذكر فيها أنه على عقد المحبة وفي آخرها:
لقد تحببت لي فضلاً خصصت به ... بين الورى حبذا حب ابن مسعود
فعلمت أنه يروي عن ابن مسعود الحبر الصحابي، رضي الله عنه وألحقنا وآباءنا بزمرته إنه ذو الجود والإحسان، فقلت: إن هذا كله من نعم الله التي يسر بها الإنسان، وهو موافقة اسمه أو اسم أبيه لأسماء الخيار.
ومن غريب الاتفاق أني كنت أكتب ما تقدم من النسب فجاء أعرابي بقصيدة من الملحون يمدحني بها، وفي أثنائها يقول ما معناه: إن اسمه، أي الممدوح، على اسم الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقلت في نفسي: سبحان الله في هذا كان عملي.
أعلم أنه وإن كان المطلوب تخير الاسم كما مرّ لا بد من التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فكما أنه لا ينبغي له أن يتسفل إلى الأسامي الدنية كذلك ليس له أن يتعلى إلى الأسامي العلية التي لا تنبغي له كأسماء الله تعالى، وللفقهاء كلام في أسماء الملائكة، فعن إمامنا مالك رضي الله عنه أنه يكره أن يتسمّى الرجل بجبريل وعلل ذلك بأنه سبب لأن يقول قائل: جاءني البارحة جبريل، وكلمني جبريل وهو بشيع موهم، وروي عنه أيضاً: لا ينبغي بياسين، وتقدم إلى الحارث بن مسكين القاضي خصمان، فنادى أحدهما صاحبه باسمه إسرافيل، فقال القاضي لمَ تسميت بهذا الاسم؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تُسَمُّوا بأسْمَاءِ المَلائكَة " فقال له الرجل: " ولمَ تسمى مالك بن أنس بمالك؟ وقد قال تعالى:) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِي عَلَيْنَا رَبُّكَ (ثم قال: لقد تسمى الناس بأسماء الشياطين فما عيب عليهم، يعني القاضي فإن اسمه الحارث، وهو اسم الشيطان إبليس، قال ابن عرفة: ويرحم الله الحارث في سكوته والصواب معه، لأنه مَحمل النهي في الاسم الخاص بالوضع أو الغلبة كإسرافيل وجبريل وإبليس والشيطان، وأما مالك والحارث فليسا منه لصحة كونهما من نقل النكرات للأشخاص المعينة أعلاماً من اسم فاعل مالك وحارث كقاسم انتهى، وأما أسماء الأنبياء عليهم السلام فيجوز التسمي بها وفي الحديث: " تَسَمَّوا بِاسْمي وَلا تَكَنَّوا بِكُنْيَتِي " وقيل: إن هذا النهي منسوخ، فيجوز التسمي أيضاً والتكني بكنيته صلى الله عليه وسلم. ودخل القاضي أبو القاسم بن زيتون على أمير بلده المنتصر بالله فقال له: لم تسميت بأبي القاسم؟ وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تَسَمَّوا بِاسْمي وَلا تَكَنَّوا بِكُنْيَتِي " فقال القاضي: إنما تسميت بكنيته صلى الله عليه وسلم ولم أتكنَّ بها، وفي المسألة كلام باعتبار علة النهي وكون ذلك مع وجوده صلى الله عليه وسلم مشهور لا حاجة إلى بسطه، ومن المنهي عنه في الحديث أن يسمي الرجل غلامه رباحاً أو أفلح أو يساراً، إذ قال: أثَمَّ هُوَ؟ فيقال: لا. ولا بأس بتكنية الصبي كما مرّ وأصله: " يَا أبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ".
تنبيه: في الحديث: " إنَّ أخْنَعَ الأسْمَاءِ رَجُلٌ تَسَمّى عِنْدَ اللهِ بِمَالكِ الأمْلاكِ، ووقع فيه عضد الدولة حيث قال:
ما يطيب العيش إلاّ بالسمر ... وغناء من جوار في سحر
غانيات سالبات للنهى ... ساقيات الراح من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلاب القدر
فهذا من التغالي المنكر، وإنما ذلك لأن ملك الأملاك هو الله تعالى، وإطلاقه على غيره وإن كان يتأوّل بمن دونه أي ملك أملاك البشر، لكنه في غاية من الإيهام والبشاعة فلا ينبغي. وقد تردد العلماء في أنه هل يلتحق به قاضي القضاة ونحوه.