وكان، صلى الله عليه وسلم، يأكل على الأرض ويلبس العباءة ويجالس الفقراء ويمشي في الأسواق ويتوسد يده ولا يأكل متكياً ويقتص من نفسه، وكان، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت. ولم يأكل قط وحده ولا ضرب عبده، ولم ير، عليه الصلاة والسلام، أدار رجله بين يدي أحد ولا أخذ بيده أحد فانتزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي يرسلها.

وأما كرمه، صلى الله عليه وسلم، في فتح مكة وقد قتلوا أعمامه ورجاله وأولياءه وأنصاره وآذوه وأرادوا نفسه فكان يلتقي السفه بالحلم والأذى بالاحتمال، وكان متى كان أكرم وعنهم أصفح كانوا ألأم وعليه ألح، والعجب أنهم كانوا أحلم جيل إلا فيما بينهم وبينه فإنهم كانوا إذا ساروا إليه أفحشوا عليه وأفرطوا في السفه ورموه بالفرث والدماء وألقوا على طريقه الشوك وحثوا في وجهه التراب، وكان لا يتولى هذا منه إلا العظماء والأخوال والأعمام والأقرب فالأقرب، فإذا كانوا كذلك كان أشد للغيظ وأثبت للحقد، فلما دخل، عليه السلام، مكة قام فيهم خطيباً فحمد الله، عز وجل، وأثنى عليه ثم قال: أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.

وأما محاسن قوله الحق فإنه ذكر زيد بن صوحان فقال: زيد وما زيد، يسبقه عضو منه إلى الجنة، فقطعت يده يوم نهاوند في سبيل الله ووعد أصحابه بيضاء إصطخر وبيضاء المدائن وقال لعدي بن حاتم: لا يمنعك ما ترى، يعني ضعف أصحابه وجهدهم، فكأنهم ببيضاء المدائن قد فتحت عليهم، وكأنهم بالظعينة تخرج من الحيرة حتى تأتي مكة بغير خفير، فأبصر ذلك كله عدي وقال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية، فكان كما قال حتى قال معاوية: إنما قتله من أخرجه.

وضلت ناقته، صلى الله عليه وسلم، فأقبل يسأل عنها فقال المنافقون: هذا محمد يخبرنا عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته! فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن رجلاً يقول في بيته إن محمداً يخبرنا عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته، ألا وإني لا أعلم إلا ما علمني ربي عز وجل وقد أخبرني أنها في وادي كذا وكذا تعلق زمامها بشجرة. فبادر الناس إليها وفيهم زيد بن أرقم وزيد بن اللصيت فإذا هي كذلك.

ولما استأمن أبو سفيان بن حرب إليه، عليه الصلاة والسلام، أمر عمه العباس أن يأخذه إلى خيمته حتى يصبح، فلما صار في قبة العباس ندم على ما كان منه وقال في نفسه: ما صنعت؟ دفعت بيدي هكذا، ألا كنت أجمع جمعاً من الأحابيش وكنانة وألقاه بهم فلعلي كنت أهزمه! فناداه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من خيمته: إذاً كان الله يخزيك يا أبا سفيان. فقال أبو سفيان: يا عباس أدخلني على ابن أخيك. فقال له العباس: ويلك يا أبا سفيان ما آن لك ذلك. فأدخله على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله قد كان في النفس شيء وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً.

وقوله، صلى الله عليه وسلم، لما يكون من بعده مما حدّث به محمد بن عبد الرحمن بن أذينة عن سلمان بن قيس عن سلمان بن عامر عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إني رأيت على منبري هذا اثني عشر رجلاً من قريش يخطب كلهم رجلان من ولد حرب بن أمية وعشرة من ولد أبي العاص بن أمية. ثم التفت إلى العباس وقال: هلاكهم على يدي ولدك.

وأما جماله وبهاؤه ومحاسن ولادته، صلى الله عليه وسلم، فما روي عن عثمان بن أبي العاص قال: أخبرتني أمي أنها حضرت آمنة أم النبي، صلى الله عليه وسلم، لما ضربها المخاض، قالت: جعلت أنظر إلى النجوم تتدلى حتى قلت لتقعنّ عليّ، فلما وضعته خرج منها نور أضاء له البيت والدار حتى صرت لا أرى إلا نوراً. قال: وسمعت آمنة تقول: لقد رأيت وهو في بطني أنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم ولد، صلى الله عليه وسلم، فخرج معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء كأنه يخطب أو يخاطب.

وروي عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أشجع الناس وأحسن الناس وأجود الناس، ما مسست بيدي ديباجاً ولا حريراً ولا خزّاً ألين من كف رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015