لحكماء: «إن الكفر يقطع مادة الإنعام، فكذلك الاستطالة بالصنيعة تمحق الأجر» . وقال علي بن عبيدة: «من المكارم الظاهرة، وسنن النفس الشريفة، ترك طلب الشكر على الإحسان، ورفع الهمة عن طلب المكافأة، واستكثار القليل من الشكر، واستقلال الكثير مما يبذل من نفسه ... وفصل من كتاب ولست أقابل أياديك، ولا أستديم إحسانك إلا بالشكر الذي جعله الله للنعم حارساً، وللحق مؤديا، وللمزيد سببا» .
وضده، قال بعض الحكماء: «المعروف إلى الكرام يعقب خيراً، وإلى اللئام يعقب شراً، ومثل ذلك مثل المطر، يشرب منه الصدف فيعقب لؤلؤاً، وتشرب منه الأفاعي فيعقب سماً» . وقال سفيان «1» : «وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام» . وقال: «أثار جماعة من الأعراب ضبعاً، فدخلت خباء شيخ منهم، فقالوا: «أخرجها» ، فقال: «ما كنت لأفعل، وقد استجارت بي» فانصرفوا وقد كانت هزيلاً، فأحضر لها لقاحاً، وجعل يسقيها حتى عاشت، فنام الشيخ ذات يوم فوثبت عليه فقتلته. فقال شاعرهم في ذلك:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أقام لها لما أناخت ببابه ... لتسمن ألبان اللقاح الدرائر
فأسمنها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يجود بإحسان إلى غير شاكر
قيل: وأصاب إعرابي جرو ذئب فاحتمله إلى خبائه وقرب له شاة فلم يزل يمتص من لبنها حتى سمن وكبر ثم شد على الشاة فقتلها. فقال الأعرابي يذكر ذلك:
غذتك شويهتي ونشأت عندي ... فمن أدراك أن أباك ذيب