كلامها» ؟ فقلت: «يا سيدي، إن غاضبتها اليوم، فصالحها غداً» ، فدخلت عليه من الغد، فقال: ويحك، يا علي، رأيت البارحة في النوم كأني صالحت محبوبة، فقالت جاريته: شاطر يا سيدي، لقد سمعت الآن في مقصورتها هينمة، فقال: ننظر ما هي، فقام حافياً حتى وصلنا مقصورتها، فإذا هي تغني:
أدور في القصر كي أرى أحداً ... أشكو إليه فلا يكلمني
فمن شفيعٌ لنا إلى ملكٍ ... قد زارني في الكرى يعاتبني
حتى إذا ما الصباح عاد لنا، ... عاد إلى هجره ففارقني
فصفق المتوكل طرباً، فلما سمعته، خرجت تقبل رجليه، وتمرغ خدها في التراب، حتى أخذ بيدها، راضياً عنها.
حدث أبو علي بن الأسكري المصري، «وأسكر هي القرية التي ولد فيها موسى عليه السلام» ، قال: كنت من جلاس تميم بن تميم، وممن يخف عليه، فأتى من بغداد بجارية رائعة فائقة الغناء، فدعا بجلسائه، وقدمت الستارة، فغنت:
وبدا له، من بعد ما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانه
يبدو كحاشية الرداء، ودونه ... صعب الزرى، متمنعٌ أركانه
وبدا لينظر كيف لاح، ولم يطق ... نظراً إليه، وهده هيجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سحت به أجفانه
قال: فأحسنت ما شاءت، فطرب تميم ومن حضر، ثم غنت:
سيسليك مما دون دولة مفضلٍ ... أوائله محمودةٌ وأواخره
ثنى الله عطفيه، وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره
فطرب تميم ومن حضر، ثم غنت:
استودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه