وما شرّ الثلاثة، أمّ عمروٍ ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
فأهدى العامل إليه كما أهدى إلى أخويه.
وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، أن قوماً من الدهاقين أهدوا إليه جامات فضة، فيها الأخبصة، فقال: «ما هذا» ؟ فقالوا: «يوم نيروز» ! فقال: «نيروزنا كل يوم» ، فأكل الخبيص، وأطعم جلساءه، وقسم الجامات بين المسلمين، وحسبها لهم في خراجهم. وقيل: «إن جلساء المهدي إليه شركاؤه في الهدية، والهدية، تجلب المودة، وتزرع المحبة، وتنفي الضغينة؛ وتركها يورث الوحشة، ويدعوا إلى القطيعة.
والهدية تصير البعيد قريباً، والعدو صديقاً، والبغيض ولياً، والثقيل خفيفاً، والعبد حراً، والحرّ عبدا. وفيها قول الشاعر:
ما من صديقٍ، وإن أبدى مودته ... يوما يأنجح في الحاجات من طبق
إذا تقنّع بالمنديل منطلقاً، ... لم يخش نبوة بوابٍ ولا غلق
لا تكثرن، فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبةٍ كل ما يعطون أو فرق!
وقال آخر:
إذا أردت قضاء الحاج من أحدٍ ... قدم لنجواك ما أحببت من سبب
إن الهدايا لها حظٌ إذا وردت ... أحظى من الابن عند الوالد الحدب
وقد قيل: «كل يهدي على قدره» . وذكروا أن سليمان بن داود، عليه السلام، بينا هو يسير بالريح، إذ أتى على عش قنبرة، فيها فراخ لها، فأمر الريح، فعدلت عن العش، فلما نزل، وافق يومه ذلك النيروز، فجاءت تلك القنبرة، حتى رفرفت على رأس سليمان، وألقت في جحره جرادة، فقيل له في ذلك، فقال: «كل يهدي على قدره» .
وكان مما تهديه ملوك الأمم إلى ملوك فارس، طرائف ما في بلدهم، فمن الهند الفيلة والسيوف والمسك والجلود، ومن تبت والصين المسك والحرير والسك والأواني، ومن السند الطواويس والببغاء، ومن الروم الديباج والبسط. وكان القواد والمرازبة والأساورة يهدون النشاب والأعمدة