«بينا أنا جالسٌ، إذ جاءني خالد الخريت «1» ، فقال: يا أبا الخطاب! هل لك في هند وصواحبها، فقد خرجن إلى نزهة» ؟ قلت: «وكيف لي بذلك» ؟ قال: «تلبس لبسة أعرابي، وتعتم عمامة، وتركب مركبة كأنك ناشدٌ ضالةً» .
قال: ففعلت وجئت، حتى وقفت عليهن أنشد ضالتي، فقلن:
«انزل» ، فنزلت، وقعدت أحادثهن وأغازلهن؛ فلما رمت النهوض، قالت لي هند: «اجلس، لا جلست أنت. ألا ترى أنك وقفت علينا غريباً؛ ونحن، والله، وقفنا على غربتك. نحن بعثنا خالدا وخدعناه وأطعمناه في أنفسنا، حتى جاء بك» . فقال خالد: «صدقن والله خدعنني وخدعنك» .
فجلست وتحدثنا، فأنشدتهن فقالت هند: يا سيدي، لقد رأيتني منذ أيام، وقد أصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي في حبيبي، ونظرت إلى هني، فإذا هو ملء الكف ومنية المتمني فناديت: (يا عمراه، يا عمراه) ! قال عمر: فقلت: يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك، ثلاثاً، ومددت في الثالثة صوتي، فضحكت؛ وحادثتهن ساعة، ثم ودعتهن وانصرفت، فذلك قولي:
عرفت مصيف الحي والمتربعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
إلى السفح من وادي المغمس بدلت ... معالمه وبلاً، ونكباء زعزعا
لهندٍ وأتراب لهند إذ الهوى ... جميع، وإذا لم نخش أن يتصدعا
وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه ... إذا صفق الساقي الرحيق المتشعشعا
وإذ لا نطيع الكاشحين ولا نرى ... لواش لدينا يطلب الصرم مطمعا
وقال عمر: ما رأيت يوماً غابت عواذله، وحضرت عواذره، بأحسن من يومنا، ولا صبوة كصبوتنا، ولا قيادة كقيادة خالد، ولا أملح؛ ولقد وصفت ذلك في شعر، فقلت في تمام ما تقدم:
أتاني رسولٌ من ثلاث حرائرٍ ... ورابعةً يزكو لها الحسن أجمعا
فقلت لمطريهن في الحسن إنما ... ضررت، فهل تسطيع نفعاً فتنفعا