فقدمه الزبير وأجاره، ودخل به المسجد، فرآه حرب فقام إليه فلطمه، فحمل عليه الزبير بالسيف فولى هارباً يعدو حتى دخل دار عبد المطلب فقال: «أجرني من الزبير» ، فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس، فبقي تحتها ساعة ثم قال له: أخرج، قال: «وكيف أخرج وعلى الباب تسعة من بنيك قد احتبوا بسيوفهم» ؟ فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن، له طرتان خضروان، فخرج عليهم فعلموا أنه قد أجاره عبد المطلب، فتفرقوا عنه» .
قال: وحضر مجلس معاوية عبد الله بن جعفر، فقال عمرو بن العاص: «قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني، والطربات بالتغني، محب للقيان، كثير مزاحه، شديد طماحه، سدود عن الشبان، ظاهر الطيش، رخي العيش، أخاذ بالسلف، منفاق بالسرف» ، فقال ابن عباس:
«كذبت، والله، أنت، وليس كما ذكرت، ولكنه لله ذكور، ولنعمائه شكور، وعن الخنا زجور، جواد كريم، سيد حليم، إذا رمى أصاب، وإذا سئل أجاب، غير حصر ولا هياب؛ ولا عيابة مغتاب؛ حل من قريش في كريم النصاب كالهزبر الضرغام، الجريء المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دنيء، لا كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزارها، فأصبح ألأمها حسباً، وأدناها منصباً ينوء منها بالذليل، ويأوي منها إلى القليل، مذبذب بين الحيين كالساقط بين المهدين، لا المضطر فيهم عفروه، ولا الظاعن عن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي قدر تتعرض للرجال، وبأي حسب تعتد به عند النضال؟ أبنفسك، وأنت الوغد اللئيم، والنكد الذميم، والوضيع الزنيم؟ أم بمن تنمى إليهم، وهم أهل السفه والطيش، والدناءة في قريش؟ لا بشرف في الجاهلية شهروا، ولا بقديم في الإسلام ذكروا، جعلت تتكلم بغير لسانك، وتنطق بالزور في غير أقرانك، والله لكان أبين للفضل، وأبعد للعدوان، أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق، فإنه طالما سلس داؤك، وطمح بك رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضر فيها رعيك، ولم يورق فيها غصنك» . فقال عبد الله