من في المجلس، ما هامتهم الأهوال، ولا حادوا عن الأبطال، كالليوث الضارية الباسلة الحنقة، فعندها وليت هارباً وأخذت أسيراً، فقلدت قومك العار، لأنك في الحروب خوار، أتهرق دمي؟ فهلا أهرقت دم من وثب على عثمان في الدار، فذبحه كما يذبح الحمل وأنت تثغو ثغاء النعجة، وتنادي بالويل والثبور كالمرأة الوكعاء، ما دافعت عنه بسهم، ولا منعت دونه بحرب، قد ارتعدت فرائصك، وغشي بصرك، واستغثت كما يستغيث العبد بربه، فأنجيتك من القتل، ثم جعلت تبحث عن دمي، وتحض على قتلي، ولو رام ذلك معاوية معكم، لذبح كما ذبح ابن عفان، وأنت معه أقصر يداً، وأضيق باعاً، وأجبن قلباً من أن تجسر على ذلك، ثم تزعم أني ابتليت بحلم معاوية؟ أما والله لهو أعرف بشأنه، وأشكر لنا إذ وليناه هذا الأمر، فمتى بدا له، فلا يغضين جفنه على القذى معك، فو الله لأعنفن أهل الشام بجيش يضيق فضاؤه، ويستأصل فرسانه، ثم لا ينفعك عند ذلك الروغان والهرب، ولا تنتفع بتدريجك الكلام، فنحن من لا يجهل آباؤنا الكرام القدماء الأكابر، وفروعنا السادة الأخيار الأفاضل، انطق إن كنت صادقاً» . فقال عمرو:
«ينطق بالخنا وتنطق بالصدق» ، ثم أنشأ يقول:
قد يضرط العير والمكواة تأخذه ... لا يضرط العير والمكواة في النار
«ذق وبال أمرك يا مروان» فأقبل عليه معاوية فقال: «قد نهيتك عن هذا الرجل، وأنت تأبى إلا انهماكا فيما لا يعنيك، أربع على نفسك فليس أبوه كأبيك، ولا هو مثلك. أنت ابن الطريد الشرير وهو ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكريم، ولكن رب باحث عن حتفه بظلفه» . فقال مروان: «ارم دون بيضتك، وقم بحجة عشيرتك» ، ثم قال لعمرو: «لقد طعنك أبوه فوقيت نفسك بخصيتيك، ومنها ثنيت أعنتك، وقام مغضباً» . فقال معاوية: «لا تجار البحار فتغمرك، ولا الجبال فتقهرك، واسترح من الاعتذار» .
قال: ولقي عمرو بن العاص، الحسن بن علي عليهما السلام في الطواف، فقال: «يا حسن. أزعمت أن الدين لا يقوم إلا بك وبأبيك؟ فقد رأيت الله أقامه بمعاوية، فجعله ثابتاً بعد ميله، وبيناً بعد خفائه، أفيرضى الله