صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا جَزْمٌ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ بَعْضَانِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بَيَانُ جَوَازِ اخْتِصَارِ الْحَدِيثِ (فَرْعٌ)

فِي فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (إحْدَاهَا) أَنَّهُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الطَّهَارَةِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ وَسَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الْبَحْرِ (الرَّابِعَةُ) أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِمَا يَتَعَذَّرُ صَوْنُهُ عَنْهُ طَهُورٌ (الْخَامِسَةُ) جَوَازُ رُكُوبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (السَّادِسَةُ) أَنَّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ كُلَّهَا حَلَالٌ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا وَهُوَ الضُّفْدَعُ وَالسَّرَطَانُ (?) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ خِلَافٌ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (السَّابِعَةُ) أَنَّ الطَّافِيَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ حَلَالٌ وَهُوَ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا (الثَّامِنَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَالْمُفْتِي إذَا سئل عن شئ وَعَلِمَ أَنَّ بِالسَّائِلِ حَاجَةً إلَى أَمْرٍ آخَرَ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ السَّائِلُ أَنْ يَذْكُرَهُ لَهُ وَيُعْلِمَهُ إيَّاهُ

لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَأُجِيبَ بِمَائِهِ وَحُكْمِ مَيْتَتِهِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الطَّعَامِ كَالْمَاءِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ عِلْمَ طَهَارَةِ الْمَاءِ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَ الخاصة والعامة وعلم حل ميتة البحر تخفى فَلَمَّا رَآهُمْ جَهِلُوا أَظْهَرَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ أَخْفَاهُمَا أولى: ونظيره حديث المسئ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ الصَّلَاةَ فَابْتَدَأَ بِتَعْلِيمِهِ الطَّهَارَةَ ثُمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُفْعَلُ ظَاهِرًا وَالْوُضُوءَ فِي خَفَاءٍ غَالِبًا فَلَمَّا جَهِلَ الْأَظْهَرَ كَانَ الْأَخْفَى أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ)

الطَّهُورُ عِنْدَنَا هُوَ الْمُطَهِّرُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ: وَحَكَوْا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسُفْيَانَ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَابْنِ دَاوُد وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ: وَاحْتَجَّ لَهُمْ بقوله تعالى (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّطْهِيرِ مِنْ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهُورِ الطَّاهِرُ: وَقَالَ جَرِيرٌ فِي وَصْفِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015