ودليلنا هو أن ما لزم من عقود المنافع استحق العوض فيه حالا كالنكاح، ولان كل عوض تعجل بالشرط فإطلاقه يوجب حلوله كالثمن، ولان الاصول موضوعة على أن تسليم المعوض يوجب تسليم العوض ليستوي حكم المتعاقدين فيما يملكانه من عوض ومعوض كما هو مقرر في الاصول فلا يكون حظ أحدهما فيه أقوى من حظ الآخر كالبيع إذا سلم المبيع فيه وجب تسليم الثمن، وكالنكاح إذا حصل التمكين وجب تسليم الصداق، كذلك الاجارة إذا حصل تسليم المنفعة وجب تسليم الاجرة، والمنافع ههنا مقبوضة بالتمكين حكما، وإن لم يكن القبض مستقرا.

(فرع)

قال الشافعي: وله أن يؤاجر عبده وداره ثلاثين سنة، أما عقد الاجارة على سنة واحدة فيجوز لان الغرر يسير فيها والضرورة داعية إليها فأما ما زاد على السنة الواحدة فقد حكى مالك أنه جوزها إلى خمس سنين أو ست سنين لا غير، وللشافعي فيما زاد على السنة الواحدة قولان.

(أحدهما)

لا تجوز الاجارة أكثر من سنة، لان الاجارة غرر لانها عقد قد تسلم وقد لا تسلم، فإذا قل الزمان قل غررها فجاز، وإذا طال الزمان كثر غررها فبطل كالخيار، ولان السنه هي المدة التى تكمل فيها منافع الزراعة في الارضين، ولا تتغير فيها غالبا الحيوانات والدور فلذلك تقدرت مدة الاجارة بها وبطلت فيما جاوزها.

(والقول الثاني) وهو أصح القولين هنا، أن الاجارة تجوز أكثر من سنة بثلاثين سنة قدرها الشافعي على سبيل الكثرة، أما أدناها فأقل مدتها ما أمكن

فيه استيفاء المنفعة المعقود عليها وذلك قد يختلف باختلاف المؤاجر، فإن كان ذلك دارا للسكنى جازت إجارتها يوما واحدا، وان كان ذلك أرضا للزراعة فأقلها مدة زراعتها، فأما أكثر المدة فهو ما علم بقاء الشئ المؤاجر فيها، فإن كان ذلك أرضا تأيد بقاؤها، وإن كان دارا روعى فيها مدة يبقى فيها بناؤها، وإن كان حيوانا روعى فيه الاغلب من مدة حياته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015