عَرَفَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُونَ قَالُوا إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ بَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الموافق لقضاء عثمان وبين القولين الاخيرين الذين أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَحَّ فِي الْقِيَاسِ لولا مَا وَصَفْنَا أَنْ لَا يَبْرَأَ أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ - وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ الْقَوْلَ وَقَالَ لولا قَضَاءُ عُثْمَانَ وَمُفَارِقَةُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِهِ لَكَانَ الْقِيَاسُ هَذَا وَلَكِنْ تَرَكْتُ الْقِيَاسَ لِقَوْلِ عُثْمَانَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قلت) أنا قال الشافعي في كتاب اخْتِلَافُهُ وَمَالِكٌ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِمَّا عَلِمَ وَمِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَكَانَ مَذْهَبًا يَجِدُ فِيهِ حُجَّةً وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ مَذْهَبَهُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وأنه قول واحد انتهى
* والجوزي نقل عن هَذَا النَّصَّ عَنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَالْمَاوَرْدِيِّ ذَكَرَ هذا النص وقال ابن أبى خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُخْرِجَا ذَلِكَ قَوْلًا لا جماله (قُلْتُ) وَالْإِجْمَالُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَقَدْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا تُجَوِّزُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا لَهُ وَالْمَشْهُورُ طَرِيقَةُ إثْبَاتِ الْأَقْوَالِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْعِرَاقِيِّ بِبَغْدَادَ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُرِيهِ لِلْمُشْتَرِي فَاسْتَفَدْنَا بِهَذَا النَّقْلِ إثْبَاتَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ وَأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ وَأَضْعَفُ الطُّرُقِ الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ خِلَافُ صَرِيحِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى طَرِيقَةٍ سَادِسَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْحَيَوَانِ يَقْطَعُ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْرَأُ مُطْلَقًا
(وَالثَّانِي)
لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا لَكَانَ ذَلِكَ وجه
وَهَذِهِ غَيْرُ طَرِيقَةِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْلُومِ فِي الْحَيَوَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَقُولُهَا مُقْتَضَاهَا اجراء القولين في غير الحيوان فيما عَلِمَهُ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْقَطْعُ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْحَيَوَانِ وَوَجْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ لِقَضَاءِ عثمان وقوله انه ولولا ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ يَبْرَأُ أَوْ لَا يَبْرَأُ يَعْنِي كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا عَدَا الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ تَقْلِيدُ عُثْمَانَ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وهو غير الحيوان فالطريقة الْقَاطِعَةِ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِيهِ مِنْ عَيْبٍ أصلا كما تقتضيه طريقة ابن أبى خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا غَايَةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِمْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهَا وَلَهَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ الظاهر أنه يريد به الاول من الاحتمالمين اللذين ذكرهما لولا تَقْلِيدُ عُثْمَانَ وَمُفَارِقَةُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِهِ أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَصَحُّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ