حَرْفًا بِحَرْفٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ نَصَّانِ فِي الْمُخْتَصَرِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُوجِبُ تَفْرِيقًا ثُمَّ مَا يَتَّفِقُ مِنْ بَيْعٍ وَتَفْرِيقٍ فَهُوَ مِنْ ضَرُورَةِ إلْجَاءِ الرَّهْنِ إلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جَوَّزُوا
بَيْعَ الْمَرْهُونَةِ وَحْدَهَا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَفْرِقَةَ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا التَّفْرِقَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ يُبَاعَانِ مَعًا وَيُحَذِّرُ مِنْ التَّفْرِيقِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ هَذَا النَّصَّ فَالْأَصْحَابُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا رَأَيْتَ وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى مَحْذُورٍ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا تُبَاعُ دُونَ الْوَلَدِ كَمَا فِي لَفْظَةِ الْكِتَابِ وَالنَّصُّ الثَّانِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا قبل ذلك فيما إذا وَطِئَ الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ أَحَبْلهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا لَمْ تُبَعْ مَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَهَذَا النَّصُّ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ يُبْعِدُ إرَادَتَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُرٌّ لِأَنَّهُ ابْنُ الرَّاهِنِ الْمَالِكِ فَالتَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ جَمَاعَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَالصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ مَمْلُوكٌ وَهُنَا حُرٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَمْلُوكٌ وَهَذَا لا يخفى عن من هُوَ دُونَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِنْ أراد نصا آخر فلم أعلمه والله تعالى أَعْلَمُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا حَامِدٍ أَرَادَا هَذَا النَّصَّ الثَّانِيَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ إذَا حَبِلَتْ لَمْ تُبَعْ مَا دَامَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ حُرًّا يُبَاعُ الرَّهْنُ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ
* وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَالْمَرْهُونَةِ إذَا عَلِقَتْ بِوَلَدٍ حُرٍّ
* وَالْجَارِيَةُ الْجَانِيَةُ إذَا كَانَ لها ولد حر بَيْعُهَا دُونَ الْوَلَدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا التَّفْرِيقُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ حُرًّا تُبَاعُ الْأُمُّ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فِي الْأُمِّ فَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا رَدُّوا عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا النَّصِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الولد الحر يجوز بيع أمه سواء كانت مَرْهُونَةً أَمْ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مَعَهَا أَصْلًا لِضَرُورَةٍ فِيهِ مُحَقَّقَةٍ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَطَرِيقُ حَمْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الضَّرُورَةُ