أَرَادَ رَدَّهُ فَخِيَارُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عن أبى أنه لا يكون الرضى إلَّا بِالْكَلَامِ أَوْ يَأْتِي مِنْ الْفِعْلِ مَا يَكُونُ فِي الْمَعْقُولِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ رِضًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ وَيَسْتَمِعَ لانه ملكه وكذلك نقل ابن حزم فانه قَالَ لَا يَسْقُطُ الرَّدُّ إلَّا بِإِحْدَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مُطْبِقَةٌ بِالرِّضَا أَوْ خُرُوجُهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ إيلَادُ الْأَمَةِ أَوْ موته أو ذهاب عين الشئ أَوْ بَعْضِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَمَنْ يَعُدُّ أَقْوَالَ أَبِي ثَوْرٍ وُجُوهًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَجْهًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَتَاوَى محتملة لان لا يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَمُحْتَمِلَةً لِخِلَافِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهَا وَلَعَلِّي أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا فِي تَفْصِيلِ الْأَشْيَاءِ الْمُبْطِلَةِ لِلْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِكَوْنِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الدَّلِيلِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ " وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ واحد منهما فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لُزُومَ الْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ إنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُبُوتُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَيَجْرِي فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى اللُّزُومِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَتَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مَا أَمْكَنَ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي شُرِعَ الرَّدُّ لِأَجْلِهِ يَنْدَفِعُ بِالْبِدَارِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فَالتَّأْخِيرُ تَقْصِيرٌ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ اللُّزُومِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (الدَّلِيلُ الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ احْتِرَازَاتٌ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ وَبِقَوْلِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ عَنْ خِيَارِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (إذَا قُلْنَا) لَيْسَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْ خِيَارِ الْمَرْأَةِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْعُنَّةِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ وَمِنْ الْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَقَدْ أَجَادَ فِي ذَلِكَ وَزَادَ غَيْرُهُ خِيَارَ الْعُنَّةِ أَيْضًا كَخِيَارِ الْأَمَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَلَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا النَّقْضُ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ رِفْقًا بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّرَوِّي وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُحَقَّقِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ ضَرَرٌ أَصْلًا وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى