قَوْلُهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ الَّذِي هُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَامٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
أَنَّ مَنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَلِكَ ماكان ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَفِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تُشْبِهُ مَعَانِيَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُ الْمَاءِ إنَّمَا يحرم لانه في معنى تلف على مالا غِنَى بِهِ لِذَوِي الْأَرْوَاحِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِذَا مَنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ مَنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَفْظِهِ وَقَدْ تَأَمَّلْتُهُ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُتَعَلَّقًا قَوِيًّا لِإِثْبَاتِ قَوْلِ سَدِّ الذرائع بل لان الذريعة تعطى حكم الشئ الْمُتَوَصَّلِ بِهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لَهُ كَمَنْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِمَنْعِ الْكَلَأِ وَمَنْعُ الْكَلَأِ حَرَامٌ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَالذَّرِيعَةُ هي الوسيلة فهذا القسم وهو ماكان مِنْ الْوَسَائِلِ مُسْتَلْزِمًا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ لا يسمح له المشترى بالبيع أو ببذولهما أو بمنع مَانِعٌ آخَرُ فَكُلُّ عَقْدٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْآخَرِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فَسَدُّ الذَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ أَمْرٌ زَائِدٌ