الْأَخْبَارِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَنَقَلَهَا وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَبُولُهَا وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَصَوَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطَالَةِ فِيهَا هُنَا هَذَا كُلُّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُمْ مُتَّفِقِينَ فَهَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مالك قد أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ بِعِبَارَاتٍ مَشْهُورَةٍ حَتَّى قَالَ يُسْتَتَابُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى اتِّفَاقِهِمْ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيار أراد ماداما فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حقيقة وإنما يقال كانا مبتايعين (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ
* (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشافعي رحمه الله وهو أنهما ماداما فِي الْمُقَاوَلَةِ يُسَمَّيَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ وَلَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَا بَايَعَ وَكَانَ مُسَاوِمًا وَتَقَاوَلَا فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ
(والثانى)
أن المتبايعان اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ مَعْنَى لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهُ حَتَّى يُوجَدَ
* (الْمَعْنَى الثَّالِثُ) إنْ حُمِلَ الْخِيَارُ عَلَى مَا قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ الْحَدِيثِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ يَخْرُجُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا عَقَدَا وَإِنْ شَاءَا تَرَكَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّ الْخِيَارَ إلَى التَّفَرُّقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ (الْخَامِسُ) أَنَّ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ إلْزَامَ الْبَيْعِ مَشَى قَلِيلًا لِيَنْقَطِعَ الْخِيَارُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ
* (فَإِنْ قِيلَ) الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ ما جاءتهم البينة) فَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ (قُلْنَا) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَ تَفَرُّقًا مِنْهُمَا فِي الْقَوْلِ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَوْلَ فَغَرَضُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ وَافَقَهُ وَلَا يُسَمَّى مُفَارَقَةً وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَقِيَاسَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منكم) فهو انه عام مخصوص بما ذكرنا وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يستوفيه) فانه عام مخصوص بما ذكرنا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) فَهُوَ أَنَّهُ دليل لنا كما جعله