الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ وَاقِعَةٌ بِسَبَبِ الْحَدَثِ وَقَدْ صَادَفَتْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَوْ تَوَضَّأَ وَنَوَى إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ عَنْ فَرْضِ طَهَارَتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ تَجْدِيدٌ صَحَّ وُضُوءُهُ عَنْ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ زَالَ شَكُّهُ وَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَبَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لِمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُكُمْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ بِمَنْعِ وُقُوعِ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبًّا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ يُحْدِثُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُجُوبًا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا نَقُولُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى تَقْدِيرِ انْكِشَافِ الْحَالِ وَيَكُونُ وُضُوءُهُ هَذَا رَافِعًا لِلْحَدَثِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الامر ولم يظهر لنا للضرور فَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ قَالَ وَهَذَا كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ (?) فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِيهِ بِنِيَّةٍ لَا يُجْزِي مِثْلُهَا حَالَ الِانْكِشَافِ (قُلْت) وَلَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَصَلَّى الْخَمْسَ ثُمَّ عَلِمَ الْمَنْسِيَّةَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّا أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْهِ وَفَعَلَهَا بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ وَلَا نُوجِبهَا ثَانِيًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فَتَرَك لُمْعَةً عَنْ وَجْهِهِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى نَاسِيًا فَانْغَسَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ وَهُوَ يَقْصِدُ بِهَا التَّنَفُّلَ فَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِي تِلْكَ اللُّمْعَةِ بِهَذَا أَمْ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِهَا فِيهِ وَجْهَانِ وَكَذَا الْجُنُبُ إذَا تَرَكَ لُمْعَةً مِنْ بَدَنِهِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى نَاسِيًا فَانْغَسَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَكَذَا لَوْ أَغْفَلَ لُمْعَةً في وضوءه فَانْغَسَلَتْ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ حَيْثُ يُشْرَعُ التَّجْدِيدُ فَفِي ارْتِفَاعِ حَدَثِ اللُّمْعَةِ الْوَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُ اللُّمْعَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْأَصَحُّ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ فِي مَسْأَلَةِ التَّجْدِيدِ لِأَنَّ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثَ طَهَارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى نِيَّتِهِ الْأُولَى أَنْ تَحْصُلَ الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ كَمَالِ الْأُولَى فَمَا لَمْ تَتِمَّ الْأُولَى لَا يَقَعُ عَنْ الثَّانِيَةِ وَتَوَهُّمُهُ الْغَسْلَ عَنْ الثَّانِيَةِ لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ عَنْ الْأُولَى كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِهَا الْأُولَى وَإِنْ كَانَ يَتَوَهَّمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّجْدِيدُ فطهارة مستقلة مفردة