المجموع اللفيف (صفحة 247)

يبلغه ثبير [1] ، ولا يعشره يلملم [2] ، ولا تبلغه هضبات يذبل [3] [93 ظ] ذي يفاع الأطول، لولا معجزة الله بها أعلم، والأحاديث عنها تكثر، ومنها أنّا لا نرى لأربع مئة ألف ضحية تنحر في صعيد واحد كل سنة من فرث أو دم، أو ما يتولد من الذبائح والمقاذر والروائح شيئا تأباه النفس، وتنبو عنه العين، وأنت لو اعتبرت ذلك في مدينة يذبح قصّابوها الأعداد اليسيرة، لرأيت ما يغضّ الناظر، ويشمئزّ منه الخاطر، ويدل ذلك على موضع الإعجاز والإعجاب، فانّه أمر لا يخفى إلا على عديم حسّ، وسقيم نفس، ثم إني اعتبرت في مقامي أمر الحمام، مع كثرة العدد ونميّه على طول الأبد، وهو لا يعرض له خارج، ولا يذعره صائد ولا ذابح، ولا نرى حمامة طارت على سطح الكعبة، إلا أن تكون عليلة، فترى هناك طريحة كالمستشفية حتى تبرأ، ثم تعود إلى عادتها.

حدثني شيخ من أهل المدينة يكنّى أبا القاسم، ونحن في الروضة ما بين القبر والمنبر، وهو يقسم بهما، أنّ ختنا [4] له يكنّى أبا الطيب الدينوري، كان مجاورا بمكة ثلاثين سنة، قال: فزرته في بعض السنين التي حججت فيها في منزله، فقلت: أبا الطيب قد أخذت من المجاورة بنصيب، فلو عدت بأهلك إلى مسقط رأسك، فان تلق منيّة ففي غير غربة، وحيث يشاهدك ذووك، ولا يعرف عنك أقربوك، فقال: أصبت ما في نفسي، وكان موسرا، فحاسب معامليه، وجمع حاشيته، وعمل على الرجوع، فبينا هو كذلك في المسجد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015