فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم الدهر، فيجعلونه الذي يفعل فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم قال الشاعر يذكر قوماً هلكوا:
فاستأثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرميني ولا أرمى
يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت في العظم
وسلبتنا ما لست تعقبنا ... يا دهر ما أنصفت في الحكم
وقال عمرو بن قميئة:
رمتى بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمي وليس برام
فلو أنها نبل إذاً لاتقيتها ... ولكنما أرمي بغير سهام
على الراحتين مرة على العصا ... أنوء ثلاثاً بعدهن قيامي
فأخبر أن الدهر فعل به ذلك نصف الهرم. وقد أخبر الله تعالى بذلك عنهم في كتابه الكريم ثم كذبهم بقولهم فقال (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وقال الله عز وجل (وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر - على تأويل لا تسبوا الذي يفعل لكم هذه الأشياء ويصيبكم بهذه المصائب فإنكم إذا سببتم فاعلها فإنما يقع السب على الله تعالى لأنه عز وجل هو الفاعل لها لا الدهر فهذا وجه الحديث إن شاء الله.
ولإتمام الفائدة ننقل ما سئل عنه الشيخ ابن عثيمين فيما يتعلق بهذا الحديث:
سئل الشيخ غفر الله له: عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي قال الله تعالى " يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار "؟
فأجاب قائلاً:
قوله في الحديث المشار إليه في السؤال: " يؤذيني ابن آدم " أي أنه سبحانه يتأذى بما ذكر في الحديث، لكن ليست الأذية التي أثبتها الله لنفسه ليست كأذية المخلوق، بدليل قوله تعالى: (ليس كمثله