والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفاً للكلام عن ظاهره لمن تدبره.

أما الآية الأولى: فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك (?) حيث قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 16-18] ففي قوله {إذ يتلقى} [ق: 17] دليل على أن المراد به قرب الملكين المتلقين (?) .

وأما الآية الثانية: فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة لقوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدكم الموت

توفته

= اقرب إليه من حبل الوريد، وحبل الوريد لا يعلم ما توسوس به النفس

ويلزم الملحد على اعتقاده أن يكون معبوده مخالطاً لدم الإنسان ولحمه، وأن لا يجرد الإنسان تسمية المخلوق حتى يقول: خالق ومخلوق، لأن معبوده بزعمه داخل حبل الوريد من الإنسان وخارجه فهو على قوله ممتزج به غير مباين له.

قال: وقد أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله على عرشه بائن من جميع خلقه وتعالى الله عن قول أهل الزيغ، وعما يقول الظالمون علواً كبيراً.

قال: وكذلك الجواب في قوله فيمن يحضره الموت {ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} أي بالعلم به والقدرة عليه إذ لا يقدرون له على حيلة ولا يدفعون عنه الموت وقد قال تعالى: {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} وقال تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} .

قلت: وهكذا ذكر غير واحد من المفسرين مثل الثعلبي وأبى الفرج ابن الجوزي وغيرهما في قوله: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وأما في قوله {ونحن أقرب إليه منكم} فذكر أبو الفرج القولين: إنهم الملائكة وذكره عن أبي صالح عن ابن عباس وأنه القرب بالعلم وهؤلاء كلهم مقصودهم انه ليس المراد ان ذات الباري جل وعلا قريبة من وريد العبد ومن الميت ولما ظنوا ان المراد قربه وحده دون قرب الملائكة فسروا ذلك بالعلم والقدرة كما في لفظ المعية ولا حاجة إلى هذا فإن المراد بقوله {ونحن أقرب إليه منكم} أي بملائكتنا في الآيتين وهذا بخلاف لفظ المعية فإنه لم يقل ونحن معه بل جعل نفسه هو الذي مع العباد وأخبر انه ينبئهم يوم القيامة بما عملوا وهو نفسه الذي خلق السموات والأرض وهو نفسه الذي استوى على العرش فلا يجعل لفظ مثل لفظ مع تفريق القرآن بينهما. ا. هـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015