وانهار الكيان الرومى فى الشام ومصر، وتحللت القومية الفارسية، ليصبح قلب العالم المعمور كله مركزا للحضارة الإسلامية، ومحط إشعاع يخرج منه ليضىء جنبات العالم. والإشعاع عرض"، فكان لا بد له من ذات؛ يخرج منه شعاع العلم والفكر؛ فكان علماء المسلمين ومفكريهم ذواتا لإشعاع الحضارة الإسلامية.
فصاحب هذا الكتاب (المجتبى من المجتنى) هو: الإمام العالم شيخ الإسلام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن الجوزى؛ أحد هذه الذوات التى تولدت فى بوتقة الحضارة الإسلامية، وكتابه نموذج تراثى جيد، يقدم فيه لطائف وفوائد حصيلته العلمية التى اجتناها على امتداد رحلته العلمية، فهو يقول-رحمه الله- فى مقدمته للكتاب: هذا كتاب اجتنيت فيه مما اجتبيت من علوم مختلفة.
فالشيخ رحمه الله استهله بما اجتناه من فوائد ونكت علوم القرآن الكريم، وذلك راجع لمكانة كتاب الله تعالى فى النفوس، وأنه أعز ما أخذناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بلا منازع؛ فهو دستور الأمة، ومحور الاتكاز. ثم عطف الشيخ بعد ذلك على أشرف ذات تلقت من ربها ذلك الكتاب الكريم؛ وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فتكلم عن نسبه الشريف، وأهله رضوان الله عليهم أجمعين. ثم أطل الشيخ-رحمه الله-على العشرة المبشرين، وتبعهم بأهل بدر رضي الله عنهم أجمعين. وتكلم عن بعض المسائل الحديثية، واختتم كتابه بالأوليات، وهو فصل فى أول كل شىء. وهذا عرض وموجز للكتاب ومنهج المؤلف.
وبالجملة؛ فالكتاب يعتبر مرجع سهل، وروضة طيبة ثرية تزدخر بالفوائد، كما يقول المؤلف نفسه: فهو أسهل متناول للحافظ وأحسن روضة للناظر.
وقد عزفنا فى هذا الكتاب عن وضع الهوامش، أو التعليق، وهذا ما أشار به علينا فضيلة الأستاذ الدكتور: على جمعة-حفظه الله-وحثنا على إخراجه بصورة جيدة جزاه الله عنا وعن المسلمين خيرا.
عند ما عثرت على مخطوط الكتاب (المجتبى من المجتنى) للإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو الفرح ابن الجوزى-رحمه الله-وهى نسخة وحيدة، أوقفها السلطان:
محمود خان وقفا شرعيا لمن طالع، شمرت له عن ساعدى الجد، ثم عكفت أنظر