بسم الله الرّحمن الرّحيم
وبه ثقتى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الحضارة الإسلامية، حضارة عالمية. عالميتها أو ضحها القرآن الكريم، قال تعالى مخاطبا رسوله {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} [الأنبياء:107].
وقال تعالى {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ} [سبأ:28]. فكان النبى صلّى الله عليه وسلم خاتم الرسل.
وبه صلى الله عليه وسلم {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115].
وهذه الخاصية الشديدة الأهمية. أخرجت حملة الرسالة، صحبة النبى صلّى الله عليه وسلم ليحققوا قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران:110]. وانطلقت الحضارة من ثوابت أرستها العقيدة الربانية الموحاة من الله تعالى، ذات الأركان الثابتة والمقومات والخصائص الفاعلة، فكان الكتاب الحكيم، والسنة الصحيحة، وهما الوحى المعصوم، مصدرا هذه العقيدة الربانية التى جاءت لتحل وتفك الإشكالات التى آثارها الفلاسفة الأقدمون عن الحقيقة الإلهية، والحقائق الكونية، أو طبيعة الإنسان وحقيقته، وعلاقة هذه الحقائق بعضها ببعض، وكانت هذه الإشكالات مصدرها الفكر البشرى المحض، وشطحاته العقلية، وتصوراته الفلسفية بإيعاز من عدوه الأزلى {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112].
فهذه العقيدة المنبثقة عن الوحى-المعصوم المستندة عليه-الذى ميز هذه العقيدة السلمية عن المعتقدات الوثنية التى تنشئها المشاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية المختلفة، ومنحها خصائص لم تتوافر فى عقيدة غيرها، (ففيها الإحاطة والشمول، والتوازن، والقدرة على الإجابة على الأسئلة الكلية، وتقديم التفسيرات وتحديد العلاقة بين الله تعالى والكون والإنسان) (1).