2993 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نا الْحَسَنُ، نا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ؛ قَالَ: -[103]- سَمِعْتُ الْمَأْمُونَ يَخْطُبُ خُطْبَةَ يَوْمِ الْعِيدِ؛ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْصَاهُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، ثُمَّ قَالَ: عِبَادَ اللهِ! عَظُمَ قَدْرُ الدَّارَيْنِ، وَارْتَفَعَ جَزَاءُ الْعَامِلِينَ، وَطَالَتْ مُدَّةُ الْفَرِيقَيْنِ؛ فَوَاللهِ! إِنَّهُ لَلْجَدُّ لا اللَّعِبُ، وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ لا الْكَذِبُ، وَمَا هُوَ إِلا الْمَوْتُ وَالْبَعْثُ وَالْمِيزَانُ وَالْحِسَابُ وَالْفَصْلُ وَالصِّرَاطُ وَالْعِقَابُ وَالثَّوَابُ؛ فَمَنْ نَجَا يَوْمَئِذٍ؛ فَقَدْ فَازَ، وَمَنْ هَوَى يَوْمَئِذٍ؛ فَقَدْ خَابَ؛ فَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي النَّارِ. قَالَ: وَخَطَبَ يَوْمَ الْفِطْرِ؛ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَصِيَّةِ؛ فَقَالَ: اطْلُبُوا إِلَى اللهِ حَوَائِجَكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ لِتَفْرِيطِكُمْ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: لا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلا قَلِيلَ مَعَ إِصْرَارٍ، بَادِرُوا عِبَادَ اللهِ بِالأَمْرِ الَّذِي اعْتَدَلَ فِيهِ يَقِينُكُمْ، وَلا يَحْتَضِرُ الشَّكُّ فِيهِ أَحَدًا مِنْكُمْ، وَهُوَ الْمَوْتُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّهُ لا يُقَالُ بَعْدَهُ عَثْرَةٌ، ولا تحظر قَبْلَهُ تَوْبَةٌ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لا شَيْءَ قَبْلَهُ إِلا دُونَهُ، وَلا شَيْءَ بَعْدَهُ إِلا فَوْقَهُ، وَلا يُعِينُ عَلَى جَزَعِهِ وَعَلَزِهِ وَكَرْبِهِ وَلا يُعِينُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَحْشَتِهِ وَظُلْمَتِهِ وَهَوْلِ مَطْلَعِهِ وَمَسَائِلِ مَلائِكَتِهِ؛ إِلا الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ؛ فَمَنْ زَلَّتْ عِنْدَ الْمَوْتِ قَدَمُهُ؛ فَقَدْ ظَهَرَتْ نَدَامَتُهُ وَفَاتَتْهُ اسْتِقَالَتُهُ، وَعَايَنَ الرجعة إلا ما يُجَابُ إِلَيْهِ، وَبَذَلَ مِنَ الْفِدْيَةِ مَا لا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ -[104]- فَاللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ! فَكُونُوا قَوْمًا سَأَلُوا الرَّجْعَةَ، فَأُعْطُوهَا إِذْ مُنِعَهَا الَّذِينَ طَلَبُوهَا، لَيْسَ يَتَمَنَّى الْمُتَقَدِّمُونَ إِلا هَذَا الأَجَلَ الْمَبْسُوطَ لَكُمْ؛ فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللهُ، وَاتَّقُوا الْيَوْمَ الَّذِي يَجْمَعُكُمْ فِيهِ لِوَضْعِ مَوَازِينِكُمْ وَلِنَشْرِ صُحُفِكُمُ الْحَافِظَةِ لأَعْمَالِكُمْ مَا قَدْ نَسِيتُمُوهُ وَأُحْصِيَ عَلَيْكُمْ، وَلْيَنْظُرْ عَبْدٌ مَا يَضَعُ فِي مِيزَانِهِ مَا يَثْقُلُ بِهِ، وَمَا يَمْلأُ بِهِ صَحِيفَتَهُ الْحَافِظَةَ عَلَيْهِ وَلَهُ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا قَالَ الْمُفَرِّطُونَ عِنْدَهَا إِذْ طَالَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْهَا؟ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فيه} [الكهف: 49] ، وَقَالَ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] الآية، وَلَسْتُ أَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّنْيَا بِأَعْظَمِ مَا نَهَتْكُمُ الدُّنْيَا عَنْ نَفْسِهَا، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور} [لقمان: 33، فاطر: 5] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لعب ولهو} الآية [الحديد: 20] ؛ فَانْتَفِعُوا بِمَعْرِفَتِكُمْ بِهَا وَبِإِخْبَارِ اللهِ تَعَالَى عَنْهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَوْمًا مِنْ عِبَادِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْرَكَتْهُمْ عَظَمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فحذورا مَصَارِعَهَا، وَجَانَبُوا خَدَائِعَهَا، وَآثَرُوا طَاعَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا؛ فَأَدْرَكُوا الْجَنَّةَ بِمَا تركوا منها.