929 - سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ يَقُولُ: -[288]- تَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْقِيَامَةِ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ كَمَا لَا تُضَامُونَ فِي [رُؤْيَةِ] الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُهُ: «لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» : وَالتَّضَامُّ مِنَ النَّاسِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ عِنْدَ طَلَبِهِمُ الْهِلَالَ، فَيَجْتَمِعُونَ وَيَنْضَمُّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُولُ وَاحِدٌ: هُوَ ذَاكَ، وَيَقُولُ آخَرُ: لَيْسَ بِهِ، وَلَيْسَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ لِطَلَبِهِمُ الْهِلَالَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَرَوْنَهُ، وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ الْمَثَلَ بِالشُّهْرَةِ فِي الْقَمَرِ وَالظُّهُورِ؛ تَقُولُ: هُوَ أَبْيَنُ مِنَ الشَّمْسِ وَمِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَأَشْهَرُ مِنَ الْقَمَرِ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

(وَقَدْ بَهَرَتْ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... إِلَّا عَلَى أَحَدٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا)

وَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (لا تُدْرِكُهُ الأَبصرُ وَهْوُ يُدْرِكُ الأَبصَرَ) [الأنعام: 103] فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ احْتَجَبَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَوْمَ الْحِسَابِ وَيَوْمَ الْجَزَاءِ وَالْقِصَاصِ؛ فَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ كَمَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وقول موسى [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَنِي) [الأعراف: 143] ؛ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] عَلِمَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَأَلَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا -[289]- مَا أَجَّلَهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ القيامة، فقال: (لَن تَرَنِي) ، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا، (وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ استَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوفَ تَرَنِي) [الأعراف: 143] . أَعْلَمَهُ أَنَّ الْجَبَلَ لَا يَقُومُ لِتَجَلِّيهِ حَتَّى يَصِيرَ دَكًّا، وَأَنَّ الْجِبَالَ إِذَا ضَعُفَتْ عَنِ احْتِمَالِ ذَلِكَ؛ فَابْنُ آدَمَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ، إِلَى أَنْ يُعْطِيَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النُّورِ مَا يقوي بِهِ عَلَى النَّظَرِ، وَيَكْشِفَ عَنْ بَصَرِهِ الْغِطَاءَ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَاللهُ جَلَّ وَعَزَّ يَقُولُ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)) [القيامة: 22، 23] . وَيَقُولُ فِي سَخَطِهِ عَلَيْهِمْ: (كَلآ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِم يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيم (16)) [المطففين: 15، 16] ؛ إِنَّمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوهَ النَّاضِرَةَ هِيَ الَّتِي إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَهِيَ الَّتِي لا تحجب إذ حُجِبَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَرَأْتُ فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّ الْمَسِيحَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] لَمَّا فَتَحَ فَاهُ بِالْوَحْيِ؛ قَالَ: طوبى لِلَّذِينَ يَرْحَمُونَ! فَعَلَيْهِمْ تَكُونُ الرَّحْمَةُ، طُوبَى لِلْمُخْلِصَةِ قُلُوبِهِمْ! الَّذِينَ يَرَوْنَ اللهَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَحْنُ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَعَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَنْتَهِي فِي صِفَاتِهِ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَى حَيْثُ انْتَهَى رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَدْفَعُ مَا صَحَّ عَنْهُ؛ بَلْ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَقُولَ فِيهِ بِكَيْفِيَّةٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ تَفْسِيرٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَقْدِ سَبِيلَ النَّجَاةِ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015