وأما النوع الثالث وهو المُثل العُلْيا في جزاء العاملين بمُثُل التشريع العليا فهي كثيرة واضحة كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} الآية [الرعد: 35]، وقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 15]، وقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]، فهذه أمثلة للمثل العليا من نظام الإسلام، والمثل العليا من آثار العمل بنظام الإسلام، والمثل العليا من جزاء العمل بنظام الإسلام.
واعلم أن المسلمين ليس لهم مَثَل سوء، وقد روى البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس لنا مَثَل السوء الذي يعود في هِبته كالكلب يرجع في قيئه" هذا لفظ البخاري في "صحيحه".
ولما تناظر الإمام الشافعي وأحمد في رجوع الواهب في هبته، والشافعي يرى إباحة ذلك وأحمد يرى منعه فاستدل أحمد لمنعه بحديث العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، فقال للشافعي: نعم ولكن الكلب لا يحرم عليه الرجوع في قيئه، فقال الإمام أحمد: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الحديث: ليس لنا مَثَل السوء والعود في القيء مَثَل سوء، وقد شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - العود في الهبة فهو أيضًا كمثل السوء وقد نفى عَنَّا - صلى الله عليه وسلم - مثل السوء فليس لأحد إتيانه لنا.