فكذلك لا يسأل الطبيب عن مسألة نحوية، ولا يعلم كل علم إلا صاحبه الذي قلب ظهره لبطنه وبطنه لظهره.
على أن علم البيان من الفصاحة والبلاغة محبوب إلى الناس قاطبة، وما من أحد إلا ويحب أن يتكلم فيه، حتى إني رأيت أجلاف العامة ممن لم يخط بيده، ورأيت أغتام1 الأجناس ممن لا ينطق بالكلمة صحيحة، كلهم يخوض في فن الكتابة والشعر، ويأتون فيه بكل مضحكة، وهم يظنون أنهم عالمون به، ولا لوم عليهم، فإنه بلغني عن ابن الأعرابي2 -وكان من مشاهير العلماء- أنه عرض عليه أرجوزة أبي تمام اللامية التي مطلعها:
وعاذل عذلته في عذله
وقيل له هذه لفلان من شعراء العرب، فاستحسنها غاية الاستحسان، وقال هذا هو الديباج الخسرواني3، ثم استكتبها، فلما أنهاها قيل له هذه لأبي تمام، فقال: من أجل ذلك أرى عليها أثر الكلفة. ثم ألقى الورقة من يده، وقال: يا غلام خرق خرق4.